كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 2)

يعني: وإن شئت رفعت كلا بالابتداء، وجعلت الجملة في موضع الخبر، وأضمرت الهاء في " عارف " على لغة بني
تميم كما قلت: " كلّه لم أصنع " فرفعت " كلّ " بالابتداء، وأضمرت في " أصنع " هاء تعود إلى " كلّ "، ومعنى قوله: " وهذا أبعد الوجهين ".
يعنى: رفع كل بالابتداء أبعد الوجهين؛ وذلك لأن من يرفعه بالابتداء لا يعمل " ما "؛ فإذا لم يعملها أمكنه أن يعمل " عارف " في " كل "، فإذا لم يعمل فقد قبح؛ إذ قد وجد السبيل إلى الكلام المختار، ولا ضرورة تدعو إلى غيره، ومن رفع " كلّ " " بما " فهو لا يجد السبيل إلى إعمال " عارف " في " كل " إلا بحذف " ما "، وحذفها يغير المعنى.
قال: (وقد زعم بعضهم أنّ " ليس " تجعل ك " ما " وذلك قليل لا يكاد يعرف، فهذا يجوز أن يكون منه: " ليس خلق الله مثله " و " ليس قالها زيد ").
يعني أن بعضهم يجعل " ليس " محمولة على " ما " فيلغي عملها، ولا يجوز أن يكون الذي يفعل هذا من العرب، إلا من كانت من لغته في " ما " إلغاؤها، فتحمل " ليس " على " ما "، وتجعلها حرفا لا تعمل في اللفظ شيئا، كما لم تعمل " ما "، وليس على هذه اللغة دليل قاطع، ولا حجّة تقطع العذر؛ لأن كل ما يستشهد به يحتمل التأويل؛ لأنه إذا احتجّ محتج بقولهم: " ليس خلق الله مثله " فقال: " خلق " فعل، ولو كانت " ليس " فعلا لما وليها الفعل، فللقائل أن يقول في: " ليس " ضمير الأمر والشأن و " خلق " وما بعده جملة في موضع الخبر؛ فلذلك قال سيبويه: " فهذا يجوز أن يكون منه " لهذا المعنى الذي ذكرناه.
وقد احتجوا بشيء آخر- وهو أقوى من الأول- وهو قول بعض العرب: " ليس الطيب إلا المسك " فقالوا: هذا بمنزلة: ما الطيب إلا المسك، قالوا: ولو كان في " ليس " ضمير الأمر والشأن، لكانت الجملة التي في موضع الخبر قائمة بنفسها، وفي موضع خبرها، ونحن لا نقول: " الطيب إلا المسك " بغير تقديم حرف النفي، وليس الأمر على ما ظنوا؛ لأن الجملة إذا كانت في موضع خبر اسم قد وقع عليه حرف النفي فقد لحقها في المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: " ما زيد أبوه قائم " فقد نفيت قيام أبيه كما لو قلت: " ما أبو زيد قائم " وعلى هذا يجوز أن تقول: " ما زيد أبوه إلا قائم "، كأنك قلت: " ما أبو زيد إلا قائم ".

الصفحة 5