كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 2)

لأنه جملة في موضع الخبر، فلم اختير النصب في: " إنا كلّ شيء خلقناه " وكلام الله تعالى أولى بالاختيار؟ فالجواب أن في النصب هاهنا دلالة على معنى لا يوجد ذلك المعنى في حالة الرفع؛ وذلك أنك إذا قلت: " إنا كلّ شيء خلقناه بقدر "، فتقديره: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، فهو يوجب العموم؛ لأنه إذا قال: إنا خلقنا كلّ شيء فقد عمّ، وإذا رفع فقال: كلّ شيء خلقناه بقدر، فليس فيه عموم؛ لأنه يجوز أن نجعل " خلقناه " نعتا لشيء، ويكون " بقدر " خبرا لكل، ولا تكون فيه دلالة لفظه على خلق الأشياء كلها، بل تكون فيه دلالة على أن ما خلق منها خلقه بقدر، ومثل هذا في الكلام " كلّ نحوي أكرمته في الدار " فقد أوجبت أنه ما بقي أحد من النحويين إلا وقد أكرمته؛ لأن تقديره:
أكرمت كلّ نحوي أكرمته في الدار، وإذا قلت: " كلّ نحوي أكرمته في الدار "، وجعلت " أكرمته " نعتا لنحوي، فمعناه كل من أكرمته من النحويين فهو حاصل في الدار، ويجوز أن يكون في النحويين من لم تكرمه في الدار.
قال: وقد قرأ بعضهم: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (¬1).
والاختيار الرفع وهو الأكثر في القراءة، ونصبه على إضمار فعل، كأنه قال: وأما ثمود فهدينا فهديناهم يعني قراءة من قرأ: إنا كلّ شيء خلقناه، وإن كان الاختيار الرفع لقراءة من قرأ " وأما ثمود فهديناهم " والاختيار الرفع
لأن " أمّا " من حروف الابتداء، وقد بينا ما في ذلك.
قال: (وتقول: " كنت عبد لله لقيته " لأنه ليس من الحروف التي ينصب ما بعدها كحروف الاستفهام وحروف الجزاء وما شبه بها).
يعني " كنت " ليس مثل هذه الحروف التي يختار النصب فيما بعدها كحروف الاستفهام، وحروف الجزاء، وما شبه بها من الأمر، وحروف النفي، وليس بفعل ذكرته ليعمل في شيء فينصبه أو يرفعه، ثم تضم إلى الكلام الأول الاسم، يعني أن " كنت " ليست بجملة مبنية على فعل عطفت عليها جملة أخرى كقولك: " ضربت زيدا وعمرا كلمته "، فوجب أن يكون الاختيار الرفع فيما كان في موضع الخبر على ما وصفنا.
وتكلم بكلام طويل لم يخرج عن الجملة التي عندنا، فأرى أن الجملة التي تقع في
¬__________
(¬1) سورة فصلت، آية: 17.

الصفحة 8