كتاب شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة (اسم الجزء: 2)

المشهور والمقصود من علم القضاء إنما هو قطع النزاع والعدالة أقوى من زيادة العدد؛ لأن كل واحد يمكنه زيادة العدد في الشهود ولا يمكنه ذلك في مزيد العدالة.
ورده ابن عبد السلام بأن من رجح بزيادة العدد لم يقل به كيف ما اتفق وإنما اعتبر مع قيد العدالة فليس بسهل حينئذ.
ووجهه المازري بأن الشارع لما قيد شهادة الزنا بأربعة والطلاق باثنين وقيد في المال بالواحد مع اليمين دل على أنه لا تأثير للعدد.
واختلف قول ابن القاسم هل يترجح الشاهدان على الشهاد واليمين والشاهد والمرأتين أم لا؟
قال ابن عبدالسلام: فإن قلت: هب أن رجحان الشاهدين على الشاهد واليمين ظاهر للاختلاف في قبول الشاهد واليمين فما السبب في رجحانهما على الشاهد والمرأتين.
قلت: لما نبه عليه بقوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) [البقرة: 282]
من زيادة مزية الرجلين على الرجل والمرأتين.
(وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور قاله أصحاب مالك):
ظاهر كلامه يقتضي أن جميع أصحاب مالك فرقوا بين أن يعترف أنه شهد يزور أم لا فإن شهد به غرم، وإن قال شبه علي فإنه لا يغرم وتبع في هذا النقل ابن المواز وليس كذلك بل قال ابن القاسم ومطرف وأصبغ في الواضحة: إنه يغرم مطلقا، وهو ظاهر كتاب السرقة من المدونة قال فيها: إن رجعا عن عتق أو طلاق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فإنهما يضمنان، وهذا القول كذا عزاه ابن رشد وهو الصواب عندي لقول أصحابنا العمد والخطأ في أموال المسلمين سواء وكذلك قال في أحكام الشعبي من أفتى بغرم ما لا يجب فقضى به غرمه قاله أصبغ بن خليل، ولم يرتض بعض شيوخنا ما قلناه فقال: الخطأ كالعمد في الأموال باتفاق المذهب ولذلك رجع غير واحد القول الثاني فما وجه القول الأول؟
قلت: إنما وقع الاتفاق على أن الخطأ كالعمد في فعل غير المأذون له في الفعل، وأما المأذون له في الفعل فليس كذلك كالراعي بضرب الشاة ضرب مثلها فتهلك فلا يضمن والوكيل على شراء عبد يشتري أبا الموكل خطأ فإن لا ضمان عليه، والشاهد لما كان مطلوبا بالشهادة صار كالمأذون له في الفعل منضما إلى أن الأصل عدم التفريط

الصفحة 372