كتاب شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة (اسم الجزء: 2)

قال ابن رشد: وهذا عندي إذا استوى تعددهم من حافرها وأما إن كان بعضهم أقرب من بعض فهو أحق بالتبدئة قلت ماشيته أو كثرت.
واعلم أن المسافرين أحق بالماء من المقيمين إن كانت حاجتهم أشد فإن استوت حاجتهم، ولم يكن في الماء فضل فإنه يبدأ بمن جهده أكثر فإن استووا فيه فأهل آبار الماشية أحق أو يستوون؟ اختلف في ذلك على قولين لابن لبابة وأشهب وللمسافرين عارية الدلو والرشا والحوض.
وظاهر كلام الشيخ سواء كان المسافرون أملياء أم لا، وهو كذلك.
قال ابن عبد السلام: ولعل ذلك لأن مالكها لم يتخذها للكراء، وإنما اتخذها لتحصيل المنفعة المقصودة منها لا لغير ذلك وإلا فالأصل أنه لا يخرجه ملك الإنسان عنه ولا الانتفاع به إلا بعوض.
(ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا؟):
ما ذكر من أن له المنع هو المذهب واختلف هل له بيع ذلك أم لا؟ فقيل: جائز وهو المعروف، وكأنه ظاهر كلام الشيخ؛ لأن الأصل أن من له منع ملكه من التصرف فيه فله الإذن بالبيع وغيره إلا لعارض.
قال ابن عبد السلام: وظاهر قول يحيى بن يحيى أنه منع منه؛ لأنه قال: أربع لا أرى أن يمنعن الماء والنار والحطب والكلأ، وأظنه اعتمد في ذلك على الحديث المروي في هذا الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسلمون شركاء في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام" وهو حديث ضعيف السند.
والقول بأنه يأخذ الماء بغير ثمن هو قول المدونة في حريم البئر منها، والقول بأنه بالثمن روي عن مالك حكاه ابن يونس وعن أشهب مثله إن كان مليا وإن لم يكن مليا فالأول.
وكذلك اختلف المذهب إذا اضطر إلى أكل مال غيره هل عليه في ذلك ثمن عند يسره أم لا والذي به الفتوى أنه يلزمه لخلاف الماء ليسره؛ لأنه مما يبتذل بخلاف الطعام. وذكر الشيخ في إعطاء فضل الماء شرطين.
الأول: أن يحرث على أصل ماء ولهذا أشار بقوله: إلا أن تنهدم بئر جاره.
والثاني: أن يخاف على زرعه وبقي عليه شرط ثالث: وهو أن يشرع في

الصفحة 388