كتاب شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة (اسم الجزء: 2)

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سمعها ولم ينكر عليهم في إنشادها فإذا جاز سماعها بغير الألحان الطيبة فلا يتغير الحكم بأن يسمع بالألحان الطيبة هذا ظاهر من الأمر، وثم ما يوجب للمستمع من توفر الرغبة على الطاعة فيذكر ما أعد الله لعباده من الدرجات، ويحمله على التحرز من الزلات ويؤدي في الحال إلى صفاء الواردات مستحب في الدين وممتاز في الشرع.
ثم قال بعد كلام: وقد سمع السلف والأكابر الأبيات والألحان وممن قال بإباحاته من السلف: مالك بن أنس وأهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء وأما الحداء فأجمعوا على إجازته وقد وردت الأخبار واستفاضت الآثار في ذلك وذكر في ذلك أوارقا لا نطول بذكرها إذا كان موضعها معروفا، وأما الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فأفتى بذلك في البحر الزخار وأورد كل ما استدل به من قال بتحريم السماع، وأجاب بأجوبة لا يشك سامعها في أنها أجوبة صحيحة لا تكاد تنقض فعليك بالأحياء إن أردت الوقوف عليها فإن هذا الكتاب ليس موضعا لذلك والذي في ذلك أني لا اعتقد تحريمه، ولا إباحته على الإطلاق بل على التفصيل بحسب الأشخاص والأحوال ووجود الشروط وعدمها على ما هو مذكور في كتاب علماء الصوفية وأرباب القلوب أعاد الله علينا من بركاتهم ولا أحرمنا الإيمان بكراماتهم حتى يجتمع علينا مصيبتان: عدم الوصول إلى مرتبتهم وعدم الإيمان بأحوالهم قلت وبهذا التفصيل أقول ومن رأي حالهم اتصف بطريقتهم وحقر نفسه معهم.
وممن كان يبيحه ويرغب الناس في الاجتماع إليه ويحضره من العلماء القرويين المتأخرين الشيخ الصالح العالم الورع أبو عمران موسى بن عيسى المناري كان يقع بين يديه في زاويته المعروفة بالقيروان وهو في خلوته وأجمع أهل عصره على علمه ودينه وشرع في تأليفه على التهذيب وصل فيه إلى صلاة السفر وتكلم فيه بكلام مشبع يعلم فيه فقه فلما نظر في كتاب الغزالي المسمى بالإحياء تفرغ للعبادة ليلا ونهار أيعمر ميعاده بقراءة الرقائق ويعظ الناس وكان لا يحضر ميعاده أهل الدنيا لما يسمعون منه، وكان ممن يعمله لنفسه شيخ الفقراء والصلاح عندنا بالقيروان في عصره الشيخ الصالح الورع الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الحريري نفعنا الله به لقد مررت بزاويته، وسمعته نشد فوقفت في الزقاق أسمع وهبت أن أدق الباب لأنه كان مغلقا وليس على الشيخ دلالة وكان ذلك في جوف الليل ليلة سفره إلى المشرق فأصابني حال عظيم وكاد عقلي أن يزهق، ووددت أني أحضر في حلقته تلك الساعة، وأخرج عن ملك الدنيا بأسرها لو ملكتها.

الصفحة 447