كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

ابن التّيّهان الأنصاريّ- وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم- فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: «أين صاحبك؟» ، فقالت:
انطلق يستعذب لنا الماء.
واسم أبي الهيثم: مالك (بن التّيّهان) - بفتح التاء المثناة فوق، وتشديد الياء المثناة، تحت مكسورة- وهو لقب، واسمه عامر بن الحارث، وقيل: عتيك بن عمرو (الأنصاريّ) أي: المنسوب للأنصار لأنه حليفهم، وإلّا! فهو قضاعي ترهّب قبل الهجرة، وأسلم وحسن إسلامه.
وانطلاقهم إلى منزله لا ينافي كمال شرفهم، فقد استطعم موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام قبلهم، وكان للمصطفى مندوحة عن ذلك؛ ولو شاء لكانت جبال تهامة تمشي معه ذهبا؛ لكن الله سبحانه وتعالى، أراد أن يهتدي الخلائق بهم، وأن يستنّ بهم السنن، ففعلوا ذلك تشريعا للأمة.
وهل خرج صلّى الله عليه وسلم قاصدا من أوّل خروجه إنسانا معينا، أو جاء التعيين بالاتفاق؟! احتمالان، قال بعضهم: الأصحّ أن أوّل خاطر حركه للخروج لم يكن إلى جهة معينة، لأن الكمّل لا يعتمدون إلّا على الله تعالى.
(وكان) أي: أبو الهيثم (رجلا) من أشراف الصحابة وأكابرهم، (كثير النّخل) ؛ واحده نخلة، (والشّاء) بالهمز؛ جمع شاة بالتاء، وتجمع أيضا على شياه.
(ولم يكن له خدم) - بفتحتين- جمع خادم، يقع على الذكر والأنثى.
وليس المراد نفي الجمع، بل نفي جميع الأفراد، إذ لم يكن له خادم لا ذكر ولا أنثى، والمقصود من ذكر ذلك بيان سبب خروجه بنفسه لحاجته، فهو توطئة لقوله:
(فلم يجدوه) أي: في البيت لاحتياجه إلى خروجه، بسبب خدمة عياله (فقالوا لامرأته: «أين صاحبك؟» ) ؛ وهو أحسن عبارة من «زوجك» .
(فقالت: انطلق) أي: ذهب (يستعذب لنا الماء) ؛ أي: يأتي لنا بماء عذب، من بئر، وكان أكثر مياه المدينة مالحة.

الصفحة 19