كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

من رطبه وبسره. فأكلوا وشربوا من ذلك الماء.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا- والّذي نفسي بيده- من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة؛ ...
فتأخذوا الخيّر (من رطبه وبسره) أي: تارة من رطبه، وأخرى من بسره، بحسب اشتهاء الطبع، أو بحسب اختلاف الأمزجة في الميل إلى أحدهما، أو إليهما جميعا.
(فأكلوا) أي من ذلك القنو، (وشربوا من ذلك الماء) . زاد في رواية مسلم: «حتى شبعوا» ، وهو دليل على جواز الشبع، ومحلّ كراهته في الشبع المثقّل للمعدة، المبطّئ بصاحبه عن العبادة.
(فقال) أي: (النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «هذا) أي المقدّم لنا (و) الله (الّذي نفسي بيده) أي: بقدرته فيتصرّف فيها كيف يشاء، ووسّط القسم بين المبتدأ والخبر!! لتأكيد الحكم (من النّعيم) ؛ أي: التنعم (الّذي تسألون عنه) - بالبناء للمجهول-، وهذا ناظر لقوله عليه الصلاة والسلام في موضع آخر: «حلالها حساب، وحرامها عقاب» (يوم القيامة) ، ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) [التكاثر] أي: عن القيام بحقّ شكره، أو تعداد النّعم والامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها، لا سؤال تقريع وتوبيخ ومحاسبة.
والمراد أن كلّ أحد ليسأل عن نعيمه الذي كان فيه: هل ناله من حلّه ووجهه أم لا؟! فإذا خلص من هذا سئل: هل قام بواجب الشّكر، فاستعان به على الطّاعة أم لا؟. فالأول سؤال عن سبب استخراجه، والثاني عن محل صرفه؛ ذكره ابن القيم.
وإنما ذكر صلّى الله عليه وسلم ذلك في ذلك المقام!! إرشادا للآكلين والشاربين، إلى حفظ أنفسهم في الشبع من الغافلة؛ باشتغال أحدهم بحديقته، ونعيمه عن تدبّر الآخرة، والنعيم: كلّ ما يتنعّم به؛ أي: يستطاب ويتلذذ به.

الصفحة 22