كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا فإنّي رأيته يصلّي، ...
(فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «إنّ المستشار مؤتمن» ) - بصيغة المفعول-.
وهو حديث صحيح كاد أن يكون متواترا. ففي «الجامع الصغير» «المستشار مؤتمن» رواه الأربعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والترمذي عن أم سلمة، وابن ماجه عن ابن مسعود، والطبرانيّ في «الكبير» عن سمرة، وزاد: «إن شاء أشار، وإن شاء لم يشر» .
وفي «الأوسط» عن عليّ كرّم الله وجهه؛ وزاد: «فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه» .
ثمّ الاستشارة: استخراج الرأي، من قولهم شرت العسل إذا أخرجتها من خلاياها، والاسم المشورة. وفيها لغتان: [مشورة] سكون الشّين وفتح الواو، والثانية [مشورة] ضم الشين وسكون الواو، وزان معونة.
ومعنى الحديث: أن من استشار ذا رأي في أمر اشتبه عليه وجه صلاحه فقد ائتمنه واستشفى برأيه، فعليه أن يشير عليه بما يرى النّصح فيه، ولو أشار عليه بغيره! فقد خانه ويبتلى بخلل في عقله.
والحاصل: أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته، وامتناع نصيحته. وسيأتي الكلام على ذلك مطولا في «الفصل الثالث» ؛ من «الباب السابع في جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلم» .
وإنما قال عليه الصلاة والسلام ذلك! إعلاما أو تعليما لأبي الهيثم ( «خذ هذا) إشارة إلى أحد الرأسين، (فإنّي) تعليل لاختياره (رأيته يصلّي) .
ويؤخذ منه أنّه يستدل على خيريّة الإنسان بصلاته، قال تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [45/ العنكبوت] .
ويؤخذ منه أيضا أنه ينبغي للمستشار أن يبيّن سبب إشارته بأحد الأمرين؛ ليكون أعون للمستشير على الامتثال.

الصفحة 25