كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

فما منّا من أولئك السّبعة أحد.. إلّا وهو أمير مصر من الأمصار، وستجرّبون الأمراء بعدنا.
المصطفى صلّى الله عليه وسلم، وذلك أنّ أهل المدينة كانوا في شظف من العيش، عندما قدم عليهم المصطفى صلّى الله عليه وسلم مع المهاجرين، وكان المهاجرون فرّوا بدينهم، وتركوا أموالهم وديارهم، فقدموا فقراء على أهل شدّة وحاجة، مع أن الأنصار واسوهم، وأشركوهم فيما بيدهم، غير أن ذلك ما سدّ خلّتهم ولا دفع فاقتهم، مع إيثارهم الضراء على السراء؛ والفقر على الغنى، ولم يزل ذلك دأبهم حتى فتح عليهم الفتوح كخيبر وغيرها، ومع ذلك لم يزل عيشهم شديدا، وجهدهم جهيدا، حتى لقوا الله صابرين على شدّة العيش؛ معرضين عن الدنيا وزهرتها ولذّتها، مقبلين على الآخرة ونعيمها، فحماهم الله ما رغبوا عنه، وأوصلهم إلى ما رغبوا فيه، حشرنا الله في زمرتهم. آمين.
(فما منّا من أولئك السّبعة أحد؛ إلّا وهو أمير مصر) بالتنوين (من الأمصار) ، وهذا جزاء الأبرار في هذه الدار، وهو خير وأبقى في دار القرار.
(وستجرّبون الأمراء بعدنا!) إخبار بأن من بعدهم من الأمراء، ليسوا مثل الصّحابة في العدالة والديانة والإعراض عن الدنيا الدنية والأغراض النفسية، وكان الأمر كذلك. فهو من الكرامات بالخبر عن الأمور الغيبية، وذلك لأنهم رأوا منه صلّى الله عليه وسلم ما كان سببا لرياضتهم ومجاهدتهم وتقلّلهم في أمر معيشتهم، فمضوا بعده على ذلك واستمروا على ما هنالك، وأما غيرهم ممن بعدهم! فليسوا كذلك، فلا يكونون إلا على قضية طباعهم المجبولة على الأخلاق القبيحة، فلا يستقيمون مع الحق على الصدق، ولا مع الخلق على حسن الخلق.
وهذا الّذي ذكره المصنف بعض من خطبة عتبة بن غزوان العظيمة التي رواها مسلم في أواخر «صحيحه» .
ورواها الترمذي في «جامعه» و «شمائله» ؛ مقتصرا منها على ما ذكره المصنف هنا.

الصفحة 30