كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

أن تواضعوا، ألا فتواضعوا حتّى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد، ...
إلهام!! خلاف الأصل؛ وخلاف الظاهر بغير دليل، والوحي: إعلام في خفاء.
(أن تواضعوا) أي: تواضعكم، أي: آمركم به (ألا فتواضعوا) بخفض الجناح ولين الجانب (حتّى لا يبغي) أي: لا يجور ولا يعتدي؛ (أحد) منكم (على أحد) ولو ذمّيّا؛ أو معاهدا؛ أو مؤمّنا. والبغي: مجاوزة الحدّ في الظلم.
وذلك لأنّ من انكسر وتذلّل امتثالا لأمر الله عزّ وجلّ حال ذلك بينه وبين الفساد والوقوع في الظلم والاعتداء والعناد، ف «حتّى» هنا بمعنى «كي» ؛ كما قال الطيبي، فهو علّة للتواضع، فيكون طريقا لترك البغي والتعدّي.
(ولا يفخر) - بفتح الخاء المعجمة- والفخر: هو المباهاة بالمكارم والمناقب؛ من حسب ونسب.. وغير ذلك، سواء كان فيه، أو في آبائه. أي: لا يباهي (أحد) بتعداد محاسنه؛ كبرا، ورفع قدره على الناس؛ تيها وعجبا مستعليا بفخره (على أحد) ليس كذلك، فالخلق من أصل واحد، والنظر إلى العرض الحاضر الزائل ليس من شأن العاقل.
قال المجد ابن تيمية: نهى الله على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلم عن نوعي الاستطالة على الخلق، وهما: البغي والفخر، لأن المستطيل إن استطال بحقّ؛ فقد افتخر، أو بغير حق فقد بغى. فلا يحلّ هذا ولا هذا، فإن كان الإنسان من طائفة فاضلة؛ كبني هاشم!! فلا يكن حظّه استشعار فضل نفسه، والنظر إليها، فإنّه مخطىء، إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص، فربّ حبشيّ أفضل عند الله من جمهور قريش.
ثم هذا النظر يوجب بغضه وخروجه عن الفضل؛ فضلا عن استعلائه بهذا.
واستطالته به.
وأخذ منه أنّه يتأكّد للشيخ التواضع مع طلبته، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) [الشعراء] وإذا طلب التواضع لمطلق النّاس؛ فكيف لمن له حقّ

الصفحة 641