كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

.........
وفيه أنّ الانفاق مأمور به في كلّ حال دعت المصلحة إليه، ولو بنحو استدانة، فإن عجز فبعدة. والعدة: إنفاق لأنها التزام النفقة؛ عند بعض الأئمّة.
وقد استشكل هذا الحديث بأنّ الله تعالى قال وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [29/ الإسراء] الآية.
وأجاب القاضي أبو يعلى بأن المراد بهذا الخطاب غيره صلّى الله عليه وسلم؛ وغير خلّص المؤمنين الذين كانوا ينفقون جميع ما عندهم عن طيب قلب لتوكّلهم وثقتهم بما عند الله، أمّا من كان ليس كذلك يتحسّر على ما ذهب منه!! فالمحمود منهم التوسّط؛ وهم الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، لأنّهم لا صبر لهم على الفاقة، ولذا صعب عليه صلّى الله عليه وسلم كلام عمر لمّا راعى ظاهر الحال، وأمره بصيانة المال؛ شفقة على النبي صلّى الله عليه وسلم لعلمه بكثرة السائلين له وتهافتهم عليه. والأنصاريّ راعى حاله صلّى الله عليه وسلم، فلذا سرّه كلامه. فقوله «بهذا أمرت» إشارة إلى أنّه أمر خاصّ به وبمن يمشي على قدمه انتهى. من «شرح الشفاء» للخفاجي، ومن شرح الزرقاني على «المواهب» .
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: ومما ينبغي التنبّه له أنّ كلّ خصلة من خصال الفضل قد أحلّ الله نبيّه في أعلاها وخصّه بذروة سنامها، ثم تقاسمت الفرق فضائله، فكلّ احتجّ على مطلوبه بشيء منها؛
فإذا احتجّ الغزاة بهديه في الجهاد على أنّهم أفضل؛ احتجّ الفقهاء على مثل ما احتجّ به أولئك.
وإذا احتجّ الزّهاد به على فضلهم؛ احتجّ به ولاة الأمور على طولهم. وإذا احتجّ به الفقير الصابر؛ احتجّ به الغني الشاكر.
وإذا احتجّ به العبّاد على فضل نفلهم؛ احتجّ به العارفون على فضل المعرفة.
وإذا احتجّ به المتواضعون وأهل الحلم؛ احتجّ به أرباب العزّ والقهر للمبطلين والغلظة عليهم والبطش بهم.

الصفحة 665