كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

وهذه كانت حاله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث، وقد قال له ورقة بن نوفل: ...
يمّم نبيّا يباري الرّيح أنمله ... والمزن من كلّ هامي الودق مرتكم
لو عامت الفلك فيما فاض من يده ... لم تلق أعظم بحر منه إن تعم
يحيط كفّاه بالبحر المحيط فلذ ... به ودع كلّ طامي الموج ملتطم
لو لم تحط كفّه بالبحر ما شملت ... كلّ الأنام وروّت قلب كلّ ظمي
فسبحان من أطلع أنوار الجمال من أفق جبينه، وأنشأ أمطار السحائب من غمائم يمينه.
قال القاضي عياض في «الشفاء» : (وهذه) ، أي: الخصلة والسجيّة في الكرم والعطاء (كانت حاله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يبعث) نبيّا؛ أو يرسل. (وقد قال له ورقة) - بواو وراء مهملة مفتوحتين وقاف آخره تاء مربوطة- (بن نوفل) بن أسد بن عبد العزّى.
وكان من أعقل أهل زمانه وأعلمهم، شاعر بليغ متألّه، وكان يقرأ ويكتب الكتب القديمة بالعربية والعبرانية، ويتألّه ويتعبّد؛ ولذا سمّي «القسّ» ، وتهوّد في أوّل أمره؛ ثم تنصّر، وهو ابن عمّ خديجة أمّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
وله أشعار كثيرة في التوحيد ولترهّبه لم يكن له عقب، وورد في الحديث:
«لا تسبّوا ورقة، فإنّي رأيت له جبّة أو جبّتين» - يعني بذلك- ما ورد من طريق آخر أنّه صلّى الله عليه وسلم رآه في منامه في الجنّة وعليه حلّة خضراء؛ أو بيضاء، أو نحوه كثياب من حرير وحلّة من سندس.
وكان حيّا في ابتداء الوحي إلى أن تنبّأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم واجتمع بالنبي صلّى الله عليه وسلم وآمن به؛ كما في أوّل البخاري، وقال: لئن أدركت زمانك لأنصرنّك نصرا مؤزّرا وكان صلّى الله عليه وسلم إذ ذاك نبيّا؛ ولم يؤمر بالدّعوة.
ومات ورقة بعد نبوّته صلّى الله عليه وسلم وقبل رسالته، ولذا قالوا: إنّه أوّل من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلم من الرجال، وهو ثان بالنسبة لخديجة رضي الله تعالى عنها وصحابي، ولذا عرّفوا الصحابي بأنّه: من اجتمع بالنبي صلّى الله عليه وسلم مؤمنا به. ولم يقولوا «بالرّسول» ، وهذا ممّا

الصفحة 671