كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

و (الكلّ) هنا: الثّقل من كلّ ما يتكلّف؛ كما في «لسان العرب» .
وأعطى العبّاس رضي الله تعالى عنه ما لم يطق حمله.
وفيه مدح الإنسان في وجهه في بعض الأحوال لمصلحة.
وفيه تأنيس من حصلت له مخافة من أمر، وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له.
وفيه أعظم دليل وأبلغ حجّة على كمال خديجة رضي الله تعالى عنها، وجزالة رأيها، وقوّة نفسها، وثبات قلبها، وعظم فقهها. والله أعلم. انتهى «شرح مسلم» مع زيادة.
(والكلّ) - بفتح الكاف وتشديد اللام- له معان كثيرة، لكن المراد (هنا) في حديث خديجة: (الثّقل من كلّ ما يتكلّف) يعني: مما فيه كلفة (كما) ذكره ابن منظور (في «لسان العرب» ) ، وابن الأثير في «النهاية» ، والزّبيديّ في «شرح القاموس» ؛ وهو من الكلال وهو الإعياء. قال الإمام النّوويّ: ويدخل في حمل الكلّ الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك. انتهى.
(وأعطى) عمّه (العبّاس) بن عبد المطلب (رضي الله تعالى عنه، ما) أي:
شيئا (لم يطق حمله) من الإطاقة، أي: ما لم يقدر على حمله وحده مع قوّته.
روى البخاريّ في مواضع؛ من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أنّه صلّى الله عليه وسلم أتي بمال من البحرين؛ فقال: «انثروه» يعني: صبّوه في المسجد، وكان أكثر مال أتي به صلّى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد؛ ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلّا أعطاه منه، إذ جاء العبّاس؛ فقال: يا رسول الله؛ أعطني، فإنّي فاديت نفسي وفاديت عقيلا. فقال له: «خذ» . فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقلّه؛ فلم يستطع. فقال يا رسول الله؛ مر بعضهم يرفعه عليّ؟ قال:
«لا» . قال: فارفعه أنت عليّ. فقال: «لا» . فنثر منه، ثمّ ذهب يقلّه فلم يستطع؛ فقال: يا رسول الله؛ مر بعضهم يرفعه عليّ. قال: «لا» . قال:
فارفعه أنت عليّ. قال: «لا» فنثر منه، ثمّ احتمله فألقاه على كاهله فانطلق، فما

الصفحة 675