كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

- وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب» ، فما رئي يومئذ أحد كان أشدّ منه.
ومسارعته، وأشفقا عليه بمقتضى المحبّة الإسلامية والرحم.
(وهو يقول: «أنا النّبيّ) حقّا (لا كذب) في ذلك، أو والنبي لا يكذب، فلست بكاذب حتّى أنهزم، (أنا ابن عبد المطّلب» )
قال الخطّابي: خصّه بالذّكر!! تثبيتا لنبوّته وإزالة للشكّ، لما اشتهر من رؤيا عبد المطّلب المبشّرة به صلّى الله عليه وسلم، ولما أنبأت به الأحبار والكهان، فكأنه يقول: أنا ذاك، فلا بدّ مما وعدت به؛ لئلا ينهزموا عنه، أو يظنّوا أنّه مغلوب، أو مقتول.
فليس من الفخر بالآباء في شيء، وليس بشعر؛ وإن كان موزونا، لأنّه لم يقصده، ولا أراده، وهما من شرط كونه شعرا، وهذا أعدل الأجوبة.
ولا يجوز فتح الباء الأولى [كذب] ، وكسر الثانية [المطّلب] ، ليخرج عن الوزن، لأنّه تغيير للرواية بمجرّد خيال يقوم في النفس، ولأنّه وقع في إشكال أصعب مما فرّ منه، لأن فيه نسبة اللّحن إلى أفصح الفصحاء، فالعرب لا تقف على متحرّك. انتهى «زرقاني» .
وهذا يعدّ في غاية ما يكون من الشجاعة التامّة، لأنّه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة؛ ليست بسريعة، ولا تصلح لكرّ ولا فرّ ولا هرب، فركوبها وركضها إلى وجوههم مع التنويه باسمه ليعرفه من ليس يعرفه: كلّ ذلك دليل النهاية في الشجاعة والثبات وعدم المبالاة بالعدوّ، وأنّ الحرب عنده كالسّلم، صلوات الله وسلامه عليه، كما قال:
(فما رئي يومئذ أحد كان أشدّ منه) ، أي: لم ير في حرب هوازن أقوى؛ وأشجع من النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد ركب بغلته؛ وقد ظاهر عليها درعا ومغفرا، وطاف على الصفوف يحضّهم على القتال ويبشّرهم بالفتح؛ إن صدقوا وصبروا، وكانوا

الصفحة 700