كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 2)

وأجود النّاس، وأشجع النّاس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق النّاس قبل الصّوت، ...
(وأجود النّاس) لتخلّقه بصفات الله تعالى التي منها الجود والكرم. و «أجود» أفعل تفضيل؛ من الجود، وهو: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي أن يعطى. ومعناه:
هو أسخى النّاس بكلّ ما ينفع، فحذف للتعميم، أو لفوات إحصائه كثرة، لأنّ من كان أعظمهم شرفا وأيقظهم قلبا، وألطفهم طبعا وأعدلهم مزاجا جدير بأن يكون أسمحهم صورة، وأنداهم يدا، ولأنّه مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات.
(وأشجع النّاس) أقواهم قلبا في حال البأس، فكان الشجاع منهم الّذي يلوذ بجانبه عند التحام الحرب، وما ولّى قطّ، ولا تحدّث أحد بفراره. وقد ثبتت أشجعيّته بالتواتر النقلي.
واقتصار أنس على هذه الأوصاف الثلاثة!! من جوامع الكلم، فإنّها أمّهات «1» الأخلاق. فإنّ في كل إنسان ثلاث قوى:
أحدها: الغضبية؛ وكمالها الشجاعة. ثانيها: الشهوانيّة؛ وكمالها الجود.
ثالثها: العقلية؛ وكمالها النطق بالحكمة. انتهى من «المواهب» .
وفي «الفتح» : جمع أنس صفات القوى الثلاثة على العقلية، والغضبية، والشهوانية؛ فالشجاعة تدلّ على الغضبية، والجود يدلّ على الشهوة، والحسن تابع لاعتدال المزاج المستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة الدالّ على العقل، فوصف بالأحسنيّة في الجميع. انتهى
(ولقد فزع) - بكسر الزاي-: خاف (أهل المدينة ذات ليلة) من صوت سمعوه في ناحية من نواحي المدينة؛ كما أفاده بقوله
(فانطلق النّاس) أي: ذهبوا (قبل) - بكسر القاف وفتح الباء الموحّدة-:
جهة (الصّوت) ليعرفوا خبره لظنّهم أنّه عدو.
__________
(1) الصواب في غير العاقل: أمّات!!

الصفحة 709