كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالتُّونُسِيُّ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ غَلَّةً إلَى أَجَلٍ ثُمَّ إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ بَعْدَ مُدَّةٍ جَعَلَ هَذَا الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ سَلَمًا عَلَى غَلَّةٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي هَذَا السَّلَمِ وَإِذَا اسْتَلَمَ مِنْهُ غَلَّةً فَمَا الْحُكْمُ فِيهَا، أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الْبَسُومِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ السَّلَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَفِي هَذِهِ النَّازِلَةِ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْغَلَّةِ الْمُشْتَرَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ اسْتَلَمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَهُ أَخْذُهُ بِعَيْنِهِ، أَوْ يُحَاسِبُهُ بِأَثْمَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ نَقْدًا أَيْ مَنْقُودًا مَقْبُوضًا مُعَجَّلًا وَهَذَا الشَّرْطُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي أَمْثِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ فُسِخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، قَوْلُهُ لَهُ أَخْذُهُ إلَخْ الْمُنَاسِبُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَمِثْلُهُ إنْ فَاتَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

[سَلَم جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَسَلَمِ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي سَلَمِ جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَسَلَمِ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ سَلَمُ جَدْيٍ فِي حَوْلَيْ ضَأْنٍ وَلَا سَلَمُ عَنْزٍ فِي جَذَعَةِ ضَأْنٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ حَوْلَيْ الضَّأْنِ أَغْلَى وَأَعْلَى مِنْ الْجَدْيِ وَجَذَعَةَ الضَّأْنِ أَغْلَى وَأَعْلَى مِنْ الْعَنْزِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُسَلَّمُ ضَأْنُ الْغَنَمِ فِي مَعْزِهَا وَلَا الْعَكْسُ إلَّا شَاةً غَزِيرَةَ اللَّبَنِ مَوْصُوفَةً بِالْكَرَمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُسْلَمَ فِي حَوَاشِي الْغَنَمِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ لَا يَكُونَا مُتَفَاوِتَيْنِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً فَلَا يَصِحُّ سَلَمُ رَدِيءٍ فِي جَيِّدٍ مِنْ جِنْسِهِ لِلسَّلَفِ بِنَفْعٍ وَلَا عَكْسُهُ كَذَلِكَ بِجُعَلٍ، أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ كَثْرَةً وَقِلَّةً فَلَا يَصِحُّ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ وَعَكْسُهُ حَالَ كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِلسَّلَفِ بِنَفْعٍ، أَوْ الضَّمَانُ بِجُعَلٍ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ مَعَ تَفَاوُتِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً وَكَثْرَةً وَقِلَّةً مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ الْبُنَانِيُّ.
أَوْجُهُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ: اخْتِلَافُ الْجِنْسِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا وَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ وَاتِّفَاقُهُمَا مَعًا وَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونَ قَرْضًا وَاتِّحَادُ الْجِنْسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَمْنُوعِ فَهُوَ جَائِزٌ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَنَافِعُ مَنَعَ وَمَنْ نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَجَازَ وَهُوَ الرَّاجِحُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسَائِلُ الْقَرْضِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْقَرْضِ
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرْسَلَ وَلَدَهُ وَهُوَ صَبِيٌّ لِقَوْمٍ فِي شَأْنِ سَلَفٍ فَدَفَعُوا لَهُ صُرَّةَ نَقْدٍ وَلَمْ يُعْلِمُوا الصَّبِيَّ بِقَدْرِ مَا فِيهَا وَأَمَرُوهُ بِتَسْلِيمِهَا لِوَالِدِهِ فَسَلَّمَهَا لَهُ وَعَاشَ وَالِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ بِبَقَاءِ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَسَكَتَ أَصْحَابُ الْقَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهِ نَحْوَ عِشْرِينَ عَامًا بِلَا مَانِعٍ ثُمَّ ادَّعَوْا عَلَى الْوَلَدِ بَقَاءَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ وَالِدِهِ وَطَالَبُوهُ بِهِ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ

الصفحة 134