كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ، أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ، أَوْ يَمُتْ اهـ.
فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الْبَهِيمَةِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَا مُحَاسَبَةَ لَهُ لِلْمُنْفِقِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِاشْتِرَاءٍ فَالْوَاجِبُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّصُّ الَّذِي فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ، وَلَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْرِيجُ حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ فَالْمُفْتِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الْوُجُوهِ الْحِسَانِ سَبَبُهُ فَسَادُ التَّصَوُّرِ وَالْحَسَدِ.
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمٌ
وَأَنْتَ أَيُّهَا السَّائِلُ يَلْزَمُك التَّوْبِيخُ وَالزَّجْرُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِدَفْعِ أَحَدِهِمَا حَيَوَانَهُ الصَّغِيرَ لِيُرَبِّيَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَلَيْسَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ بِصَحِيحٍ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لِلْمُنْفِقِ الْمُرَبِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى دَافِعِ الْحَيَوَانِ بِنَفَقَةِ وَأُجْرَةِ تَرْبِيَةِ الْجُزْءِ الَّذِي بَقِيَ لِلدَّافِعِ وَعَلَى الْمُنْفِقِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَةَ الْجُزْءِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ يَوْمَ الْعَقْدِ إنْ جَعَلَهُ لَهُ مِنْ حِينِهِ وَيَوْمَ تَمَامِ التَّرْبِيَةِ إنْ جَعَلَهُ لَهُ حِينَهَا وَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ بَلْ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَفَسَادُهَا لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ رَضِيعٌ وَإِنْ مِنْ الْآنَ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ عَطْفٌ عَلَى ثَوْبٍ أَيْ وَكَذَلِكَ تَكُونُ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى إرْضَاعِ حَيَوَانٍ صَغِيرٍ صَامِتٍ، أَوْ نَاطِقٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ قَبَضَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْآنَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَتَعَذَّرُ رَضَاعُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ فَيَصِيرُ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهِ كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ بِشَرْطٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِلْغَرَرِ انْتَهَى قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْفَرَارِيجِ تُدْفَعُ لِمَنْ يُرَبِّيهَا بِجُزْءٍ كَالنِّصْفِ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ جَعَلَ الْمُعْطِي لِلْآخِذِ النِّصْفَ مِنْ الْآنَ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَتْ فَلِلْمُعْطَى قِيمَةُ النِّصْفِ يَوْمَ الْإِعْطَاءِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِنْ جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ بَعْدَ التَّرْبِيَةِ وَفَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ التَّرْبِيَةِ أَيْضًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَهُ جَمِيعُ الْفَرَارِيجِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الرَّضِيعِ فَكَلَامُ التَّوْضِيحِ فِي الرَّضِيعِ تَجْرِي هَذِهِ عَلَيْهِ: وَفِي التَّتَّائِيِّ إنَّ إعْطَاءَ الْفَرَارِيجِ لِلْفَلَّاحِينَ عَلَى النِّصْفِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ مَلَّكُوهُمْ إيَّاهَا مِنْ الْآنَ، أَوْ بَعْدَ التَّرْبِيَةِ وَهِيَ مِلْكُ رَبِّهَا وَعَلَيْهِ لِلْمُرَبِّي أُجْرَةُ التَّرْبِيَةِ، كَذَا يَظْهَرُ وَمُقْتَضَى مَا فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الرَّضِيعِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ خِلَافُهُ انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الشَّبْرَخِيتِيِّ فَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ مَلَكَهُ مِنْ الْآنَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ يَدْفَعُهُ لِرَبِّهِ وَلَهُ أُجْرَةُ رَضَاعِ نِصْفِهِ أَيْ لَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي رَضَعَهَا وَإِنْ مَلَكَهُ لَهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا أَرْضَعَهُ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ

الصفحة 142