كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ فَقَطْ مِنْ الثَّانِي وَاشْتَرَطَا أَنَّ الْبَذْرَ وَالْخَرَاجَ يُخْرَجَانِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا بَقِيَ يَقْتَسِمَانِهِ بِحَسَبِ مَا اشْتَرَطَاهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْبَذْرَ أَوَّلًا وَاقْتَسَمَا الْبَاقِيَ كَأَنَّهُ سَلَّفَ صَاحِبَهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْبَذْرِ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ إلَّا قَدْرُ الْبَذْرِ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الزَّرْعِ كَمَسْأَلَةِ الْخُمَاسِ، وَاجْتِمَاعُ الشَّرِكَةِ وَالسَّلَفِ لَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا غَيْرُ الْحَرْثِ لِلْجَهَالَةِ، وَالْحُكْمُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَجَمِيعُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْمَحَارِيثِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَرِيكَيْنِ فِي بُرْجِ حَمَامٍ بَرِّيٍّ انْهَدَمَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا بِالْقَوَادِيسِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهَلْ لِصَاحِبِهِ قَوَادِيسُ مِثْلُ قَوَادِيسِهِ أَوْ قِيمَتُهَا، أَوْ يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْبُرْجِ كَمَا كَانَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، يَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ كَمَا كَانَ لَكِنْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ كُلْفَةِ الْبِنَاءِ مِنْ غَلَّةِ الْبُرْجِ إنْ كَانَ دَعَاهُ لِلْبِنَاءِ مَعَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَهُ وَالْإِذْنُ لَهُ فِيهِ وَاسْتَمَرَّ مُمْتَنِعًا إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ، أَوْ سَكَتَ حِينَهُ بَعْدَ مَنْعِهِ ابْتِدَاءً وَإِلَّا فَمِنْ يَوْمِ تَمَامِ الْبِنَاءِ وَيَرْجِعُ الْبَانِي عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ كُلْفَةِ الْبِنَاءِ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ حُكْمِ مَسْأَلَةِ الرَّحَى الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ شُرَّاحُهُ قَالَ فِيهِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إذْ أَبَيَا فَالْغَلَّةُ لَهُمْ وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي لَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي رَحًى فَانْهَدَمَتْ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْإِصْلَاحِ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَبَيَا مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ إصْلَاحِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْغَلَّةَ الْحَاصِلَةَ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي عِمَارَتِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ نَفَقَتَهُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَوْلُهُ أَحَدُهُمْ أَيْ أَحَدُ الْمُشْتَرِكِينَ وَقَوْلُهُ رَحًى أَيْ مَثَلًا، أَيْ أَوْ دَارًا، أَوْ حَمَّامًا وَقَوْلُهُ إذْ أَبَيَا أَيْ وَقْتَ إبَايَةِ شَرِيكَيْهِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ السِّيَاقِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَمَّرَ مَعَ الْإِذْنِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا حَصَلَتْ غَلَّةٌ أَمْ لَا.
فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ وَقَضَى عَلَى شَرِيكٍ إلَخْ وَالرَّحَى مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى قَوْلُهُ إذْ أَبَيَا قُلْت مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَتْ الْعِمَارَةُ بَعْدَ إبَايَتِهِمَا وَقَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِالْعِمَارَةِ، أَوْ الْبَيْعِ وَمَا مَرَّ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَمَسَائِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعٌ اُنْظُرْهَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ انْتَهَى.
قَالَ الْعَدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نُبَيِّنُهَا فَنَقُولُ الْأُولَى أَنْ يُعَمِّرَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ عِلْمِ صَاحِبِيهِ وَلَمْ يُطْلِعْهُمَا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُبْهَمًا فِي الْعِمَارَةِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَنَابُهُمَا مِمَّا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ، أَوْ مِنْ قِيمَةِ مَا عَمَّرَهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا تَقْرِيرَانِ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَمِّرَ بِإِذْنِهِمَا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا مَا يُنَافِي إذْنَهُمَا لِانْقِضَاءِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنَابُهُمَا مِمَّا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ فِي ذِمَّتِهِمَا.
الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يُعْلِمَهُمَا بِالْعِمَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُجِيزَانِ ذَلِكَ وَحُكْمُ هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
الرَّابِعَةُ أَنْ يَسْكُتَا حِينَ يَسْتَأْذِنُهُمَا وَحِينَ عِمَارَتِهِ وَحُكْمُهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ.
الْخَامِسَةُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمَا فَيَأْبَيَا وَيَسْتَمِرَّانِ عَلَى

الصفحة 149