كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

يَضْمَنَانِ مَعًا كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الْمُكْرِهَ بِالْكَسْرِ وَالْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ سَوَاءٌ فِي تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ انْتَهَى وَأَمَّا الْأَمْرُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَغُرُورٌ قَوْلِيٌّ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى الْآمِرِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا مَحْجُورًا لَهُ، أَوْ رَقِيقًا لَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَفِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَلَا شَيْءَ عَلَى غَارٍّ بِالْقَوْلِ لَمْ يَأْخُذْ أَجْرَهُ انْتَهَى.
وَفِيهِ فِي الْجِنَايَاتِ وَأَمْرُ السَّيِّدِ كَالْإِكْرَاهِ وَقَتْلِ أَبٍ وَمُعَلِّمٌ أَمَرَ صَغِيرًا انْتَهَى نَعَمْ إنْ كَانَ الْغَفِيرُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ إنْ خَالَفَ الْأَمْرَ كَانَ نَفْسُ الْأَمْرِ إكْرَاهًا فَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ تَنْبِيهٌ لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَفَعَلَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ فَصَدَ وَلَدًا وَأَخَذَ قَيْحًا، أَوْ صَدِيدًا مِنْ مَجْدُورٍ وَجَعَلَهُ فِي تِلْكَ الْفَصْدَةِ فَمَاتَ الْوَلَدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَلْ هَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِجَوَازِهِ فَمَا وَجْهُهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ مَا طَرَأَ عَلَى الْوَلَدِ فَاعِلَ ذَلِكَ لَهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَلْزَمُهُ فَمَا وَجْهُهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِلُزُومِهِ فَهَلْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ، أَوْ الْخَطَأِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَلَا لِغَيْرِهِ فِعْلُهُ بِهِ وَلَوْ خَافَ الْوَلِيُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ظَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ ضَرَرٍ وَتَغْرِيرٌ بِنَفْسِ الطِّفْلِ وَأَطْرَافِهِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ يَتَحَيَّلُونَ بِهِ بِزَعْمِهِمْ عَلَى تَطْوِيلِ الْحَيَاةِ وَرَدِّ الْقَضَاءِ وَإِنْ وَقَعَ وَمَاتَ الطِّفْلُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عُمِدَتْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِقَسَامَةٍ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا، أَوْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ آخَرُ اُقْتُصَّ مِنْ الْفَاعِلِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ بِالطِّفْلِ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِلطِّفْلِ فَقَطْ، أَوْ مِثْلُهُ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ تَمَّ الْأَمْرُ وَإِلَّا يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ مَا حَصَلَ لِلطِّفْلِ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْفَصْدِ الْمَذْكُورِ مَوْتٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ اُقْتُصَّ مِنْ الْفَاعِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجْرِي عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِالطِّفْلِ أَحْكَامُ جِنَايَةِ الْعَمْدِ هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ الَّتِي عَمَّتْ فِيهَا الْبَلْوَى وَجَبَرَ الظَّلَمَةُ وَأَعْدَاءُ الدِّينِ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا وَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَصٍّ قَدِيمٍ فِيهَا فَلْيُلْحِقْهُ بِهَذَا وَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مُطَرِّفٌ إنْ قَالَ الْوَكِيلُ مَا فَعَلْته إلَّا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يُعْذَرْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» قَالَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَمَرَ بِفِعْلِهِ ظُلْمًا وَمَنْ قَطَعَ، أَوْ قَتَلَ، أَوْ جَلَدَ، أَوْ أَخَذَ مَالًا وَهُوَ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ نَزَلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَالْغُرْمُ اهـ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ فِي مَعِيشَةٍ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا وَوَاحِدٌ عَلَيْهِ مَغْرَمٌ لِدِيوَانِ الصَّيَّادِينَ فَهَلْ إذَا أَرَادَ الْعُزْلَةَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا غَرِمَهُ وَحْدَهُ، أَوْ يُحْسَبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ سَوِيَّةً أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ يُحْسَبُ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يَمْلِكُونَ قَرْيَةً وَمَزَارِعَ حَوْلَهَا مِنْ جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ لَهَا حُدُودٌ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ أَتَى عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ بِجُنُودِهِ فَنَهَبَهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا ثُمَّ أَتَى جَمَاعَةٌ آخَرُونَ فَسَكَنُوا بِجَانِبِ الْقَرْيَةِ مِنْ مَزَارِعِهَا وَبَنَوْا فِيهِ قَرْيَةً وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْمَزَارِعِ وَفَجَّرُوا فِيهَا عُيُونًا وَغَرَسُوا فِيهَا أَشْجَارًا ثُمَّ جَاءَتْ

الصفحة 167