كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ بَلْ الْقَتْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْيُوسِ مِنْ صَلَاحِهِ وَاسْتِصْلَاحِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا آذَتْ الْهِرَّةُ وَقُصِدَ قَتْلُهَا فَلَا تُعَذَّبُ وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادَّةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» اهـ شَبْرَاخِيتِيٌّ.

[رَجُل ذِمِّيّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ذِمِّيٍّ تَعَدَّى عَلَى جَامُوسَةِ مُسْلِمٍ وَضَرَبَهَا فِي جَوْفِهَا بِنَبُّوتٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا وَمَرِضَتْ حَتَّى أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ فَبَاعَهَا رَبُّهَا لِلْقَصَّابِ بِعُشْرِ ثَمَنِهَا فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَرَتَّبَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِجِنَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ قِيمَةُ الْجَنِينِ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَمَاتَ وَمَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الْأُمِّ مَرِيضَةً عَنْ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّانِي فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى) عَنْ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا غِلَالَهُمْ فِي سَفِينَةٍ صَبَّةٍ وَاحِدَةٍ تَوَجَّهُوا بِهَا إلَى مِصْرَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ ظَالِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ إرْدَبًّا بِاسْمِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَهَلْ تُوَزَّعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَضِيعُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الظَّالِمِ إنَّمَا آخُذُ مَالَ فُلَانٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ يَرْعَى غَنَمًا فِي فَلَاةٍ فَمَرَّ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ وَأَكْرَهَهُ عَلَى مُنَاوَلَةِ نَعْجَةٍ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَنَاوَلَهُ إيَّاهَا ثُمَّ حَضَرَ رَبُّ النَّعْجَةِ وَطَلَبَ الرَّاعِي بِقِيمَتِهَا فَهَلْ يُجَابُ لِذَلِكَ وَيُجْبَرُ الرَّاعِي عَلَى دَفْعِهَا لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) يَضْمَنُ الرَّجُلُ قِيمَةَ النَّعْجَةِ بِإِعْطَائِهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الطَّوْعَ وَالْإِكْرَاهَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْحَطَّابِ وَقَوَانِينِ ابْنِ جُزَيٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ خَيَّاطٍ عِنْدَهُ أَقْمِشَةٌ لِيَخِيطَهَا لِأَرْبَابِهَا بِأُجْرَةٍ ادَّعَى أَنَّ اللُّصُوصَ تَعَدَّتْ عَلَى مَنْزِلِهِ لَيْلًا وَأَخَذَتْ الْأَقْمِشَةَ فَأَرَادَ أَرْبَابُهَا تَضْمِينَهُ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ جَمِيعَ أَقْمِشَةِ النَّاسِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ الصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ لِمَا اُسْتُصْنِعُوا فِيهِ إذَا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ سَوَاءٌ عَمِلُوا ذَلِكَ بِأَجْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ، أَوْ دُورِهِمْ فِي غَيْبَةِ رَبِّ الْمَتَاعِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْفَعُ الصَّانِعَ إذَا احْتَرَقَ حَانُوتُهُ، أَوْ سُوقُهُ، أَوْ سُرِقَ مَنْزِلُهُ دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَصْنُوعَ كَانَ فِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ]
(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ تَأْدِيبِ بَعْضِ نُقَبَاءِ الْأَوْرَادِ بَعْضَ الْمَرِيدِينَ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِإِخْوَانِهِ هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَيَسُوغُ لَهُ تَأْدِيبُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ .
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) تَأْدِيبُ النَّقِيبِ لِلْمُرِيدِ بِصُنْعِ الطَّعَامِ لِإِخْوَانِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، أَوْ اسْتِحْيَاءً لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الْأَكْلَ وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِحَلِيلَةِ آخَرَ ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَتَوَقَّفُ تَوْبَتُهُ عَلَى اسْتِسْمَاحِ حَلِيلِهَا وَهَلْ يَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؟ (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا زَنَى رَجُلٌ بِطَائِعَةٍ لَهَا حَلِيلٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْحَلِيلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الطَّلَاقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْهَبَ لِلْحَاكِمِ وَيُقِرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، أَوْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِسِتْرِ اللَّهِ خِلَافٌ اخْتَارَ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ الثَّانِيَ وَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ

الصفحة 172