كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ عَلَى مُسَامَحَةِ الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا مِثْلُ هَذَا فَلَا كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَيَكْفِي الِاسْتِسْمَاحُ الْإِجْمَالِيُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِبْرَاءِ وَهُوَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَبَابِ الْإِقْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَحِينَئِذٍ إنْ سَامَحَ الْخَصْمُ مَعَ الْإِجْمَالِ كَفَى وَإِنْ امْتَنَعَ حَتَّى يُعَيَّنَ لَهُ نُظِرَ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى التَّعَيُّنِ أَمْرٌ أَعْظَمُ لَمْ يَجِبْ لِقَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ وَجَبَ التَّعْيِينُ لِقَاعِدَةِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِسْمَاحَ الْحَلِيلِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ وَيَكْفِي فِيهِ الْإِجْمَالُ عَلَى مَا ذُكِرَ سَابِقًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَأَخَذَ غَنَمَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَبَاعَهَا وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينُ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ وَلَدَ الْمَدِينِ بَاعَهَا لَهُ وَقَاصَصَهُ بِثَمَنِهَا فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ الْبَيْعَ وَالْمُقَاصَّةَ وَلَا بَيِّنَةَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ آخِذَ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا يَوْمَهُ، أَوْ يَوْمَ الْحُكْمِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَكَالَةُ وَلَدِ الْمَدِينِ عَنْهُ وَبَيْعُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَرَبُّ الدَّيْنِ مُتَعَدٍّ عَلَى غَنَمِ الْمَدِينِ وَفُضُولِيٌّ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فِي يَدِ مَنْ اشْتَرَاهَا فَلِلْمَدِينِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَلَهُ فَسْخُهُ وَأَخْذُ الْغَنَمِ وَإِنْ فَاتَتْ فَلِلْمَدِينِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ وَعِبَارَةُ الْعَدَوِيِّ وَالْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ الْفُضُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ وَسَيَأْتِي وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ فَإِذَا فَاتَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ عَلَى الْفُضُولِيِّ فِيمَا بَاعَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَاصِبًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
وَأَصْلُهَا لِكَبِيرِ الْخَرَشِيِّ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ النَّفْرَاوِيُّ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَدِّي بِالْبَيْعِ وَفِي الْمَجْمُوعِ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ فَلِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي دَابَّةٍ فَاغْتَلَّهَا أَحَدُهُمَا مُدَّةً وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَغْتَلَّهَا كَذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْأَوَّلُ فَهَلْ يُعَدُّ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يُعَدُّ غَاصِبًا إنَّمَا هُوَ مُتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِلَا سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَ الذَّاتِ قَهْرًا تَعَدِّيًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْمُتَعَدِّي مَنْ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ قَهْرًا وَعُدْوَانًا مَعَ إمْكَانِ التَّخْلِيصِ وَالْأَوَّلُ يَضْمَنُ الذَّاتَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِهِ.
وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى مَنْفَعَةٍ فَتَلِفَتْ الذَّاتُ بِلَا سَبَبِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا اهـ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ أَرَادَ ظَالِمٌ أَنْ يُسَفِّرَهُ إلَى جِهَةٍ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ مِنْهَا فَدَفَعَ عَنْهُ شَخْصٌ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِخَلَاصِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ إنْ تَوَقَّفَ خَلَاصُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الرِّفَاقِ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ تَعَرَّضَ لَهُمْ اللُّصُوصُ فَيُرِيدُونَ أَكْلَهُمْ فَيَقُومُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَيُضَامِنُهُمْ عَلَى

الصفحة 173