كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

مَالٍ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ مَعَهُ وَعَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ فَيُرِيدُ مَنْ غَابَ أَنْ لَا يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَاءِ يُخَلِّصُهُمْ وَيُنْجِيهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمَنْ حَضَرَ وَلِمَنْ غَابَ مِمَّنْ لَهُ أَمْتِعَةٌ فِي تِلْكَ الرِّفَاقِ وَعَلَى أَصْحَابِ الظَّهْرِ مَا يَنُوبُهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ لَا يُنْجِيَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَعْطَوْا وَكَانَ فِيهِمْ مَوْضِعٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَمَا أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَأَعْطَوْا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْتِعَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَفِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ لِلسَّلْجِمَاسِيِّ وَيُوَافِقُ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ رَجَاءِ الْخَلَاصِ مَجَّانًا مَا نَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ الْمَكْنُونَةِ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ فِيمَنْ صَالَحَ الْأَعْرَابَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ بِمَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الْمَالِ عَلَى حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ مِنْ أَخْذِ الْغُصَّابِ قَالَ وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّصُ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَنُوبُهُ فِي هَذِهِ الْمُحَاصَّةِ كَانَ لَهُ مَقَالٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ مِنْ نَوَازِلِ الْجِهَادِ وَنَوَازِلِ الصُّلْحِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.

وَفِي الْمِعْيَارِ: وَسُئِلَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ الَّذِينَ جَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ رَهَائِنَ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَطَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَخَافُوا الْغَلَبَةَ عَلَى أَهْلِ الْحِصْنِ فَجَعَلُوهُمْ رَهَائِنَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْحِصْنِ كُلُّ مَنْ اُحْتُصِرَ فِيهِ يَغْرَمُونَ الْفِدْيَةَ عَلَى قَدْرِ انْتِفَاعِهِمْ بِذَلِكَ قِيلَ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ سَوَاءٌ قَالَ يُعْطِي كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ الِانْتِفَاعِ انْتَهَى.

وَفِي نَوَازِلِ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ عَمَّنْ عَلَيْهِ مَغْرَمٌ مُقَرَّرٌ هُوَ وَآبَاؤُهُ يَغْرَمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ ظُلْمًا فَيَغِيبُ بَعْضُهُمْ فَتَأْتِي الظُّلْمَةُ لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ فَتُمْسِكُهُ عَنْهُ وَتُغَرِّمُهُ ذَلِكَ الْمَغْرَمَ فَهَلْ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يُطَالِبُهُ قَرِيبُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا غَرِمَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي زَمَانِنَا هَذَا، أَوْ هِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالْمَمْسُوكِ لِكَوْنِهِ أَدَّى عَنْهُ مَالًا يَلْزَمُهُ.
فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اعْلَمْ أَنَّ الْغَارِمَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْمَغْرَمُ مُعْتَادًا عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّبِيبِيُّ.
وَفِي فَتَاوَى الْبُرْزُلِيِّ مَا يُفِيدُ اخْتِيَارَهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْبَزَمُونِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ لِظَالِمٍ حَبَسَهُ فِيهِ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْمِدْيَانِ وَالْحَوَالَةِ أَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْ إنْسَانٍ مَالًا يَلْزَمُهُ مِنْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَوَاضِعَ مَعْلُومَةً بِالظُّلْمِ كَالْعِشَارِ وَبَابِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرِمَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ التَّتَّائِيُّ كَلَامَ سَحْنُونَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُقَابِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ شَيْخُنَا: وَالرُّجُوعُ هُوَ الَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الْقَلْبُ وَإِلَّا لَمْ يُخَلِّصْ أَحَدٌ أَحَدًا فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ انْتَهَى وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤْخَذَ لِلنِّظَامِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ أَمْ يَجُوزُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ أُصْبُعِهِ وَفَقْءُ عَيْنِهِ وَقَلْعُ سِنِّهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي آخِرِ مَقُولِهِ لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُبَاحُ لَهُ لِخَوْفِ قَتْلِهِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ انْتَهَى.

الصفحة 174