كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَهُ فِدَاءً حَيْثُ كَانَ يَتَعَذَّرُ تَخْلِيصُهُ بِأَقَلَّ، أَوْ بِلَا شَيْءٍ وَإِلَّا فَيَأْخُذُهُ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَيَضِيعُ الْفَدَّانُ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ دَفَعَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي شُرَكَاءَ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ غَرَسَ أَحَدُهُمْ فِيهَا نَخْلًا بِلَا إذْنٍ مِنْ بَاقِيهِمْ مَعَ حُضُورِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ ثُمَّ طَلَبُوا قَسْمَ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا الْحُكْمُ فِي النَّخْلِ؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ غَرَسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ وَحِينَ قُسِمَتْ الْأَرْضُ جَاءَ فِي قَسْمِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا، أَوْ يَأْمُرُهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ وَهَذَا إنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ عَشْرَ سِنِينَ وَإِلَّا قُضِيَ لِلْغَارِسِ بِهِ قَائِمًا بِأَرْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْقَضَاءِ لِلْحَائِزِ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ وَهُنَا لَمْ يَدَّعِهَا بَلْ أَقَرَّ بِالْمُشَارَكَةِ وَقَاسَمَ، أَوْ أَرَادَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخَذَ مِنْ آخَر طَوْقًا وَدَرَاهِمَ وَدَفَعَهَا فِي مَظْلِمَةٍ لِمُلْتَزِمٍ حَبَسَ أَخَاهُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ وَرَهَنَ فِي الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ طِينَ الْمَحْبُوسِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ أَنَّهُمَا أُخِذَا مِنْهُ لِلدَّفْعِ فِي الْمَظْلِمَةِ فَهَلْ يَضِيعُ الطَّوْقُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَى صَاحِبِهِمَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِمَا عَلَى الْمَحْبُوسِ وَلَا عَلَى أَخِيهِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إنْ قَدَرَ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الطِّينِ أَيْضًا وَيُطَالَبُ بِأُجْرَتِهِ مُدَّةَ زَرْعِهِ إيَّاهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ كَانَ الْحَبْسُ ظُلْمًا وَأَخَذَ أَخُو الْمَحْبُوسِ الطَّوْقَ وَالدَّرَاهِمَ مِنْ إنْسَانٍ وَدَفَعَ ذَلِكَ فِي الْمَظْلِمَةِ مَعَ عِلْمِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الدَّافِعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْبُوسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَخَاهُ وَلِرَبِّ الدَّرَاهِمِ الرُّجُوعُ بِهَا وَبِالطَّوْقِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ الْآخِذِ لَهَا ظُلْمًا إنْ قَدَرَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَحْبُوسِ طِينَهُ وَأَنْ يَدْفَعَ أُجْرَتَهُ مُدَّةَ زِرَاعَتِهِ لَهُ قَهْرًا عَنْهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَأَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِهِ أَحْمَدُ السَّنْتَرِيسِيُّ الشَّافِعِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمُصَيْلِحِيُّ الشَّافِعِيُّ وَسَالِمٌ الْمَالِكِيُّ وَمُحَمَّدٌ النَّفْرَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ أَيْضًا لِلْهَوَّارِيِّ الْمَالِكِيِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْعَدَوِيُّ وَلِمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَلِمَا اخْتَارَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَأَجَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ أَخُو الْمَظْلُومِ أَخَذَ الطَّوْقَ مِنْ مَالِكِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ مِنْ الْمَالِكِ ضَاعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْهُ طَامِعًا فِي الثَّمَنِ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ الْمَظْلُومَ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ بِذَلِكَ وَطِينُهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَهُوَ أَخُو الْمَظْلُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ تَبَعًا لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَتَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ رُجُوعُ صَاحِبِ الطَّوْقِ وَالدَّرَاهِمِ بِقِيمَةِ طَوْقِهِ وَمِثْلِ دَرَاهِمِهِ عَلَى الْمَحْبُوسِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَخِيهِ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ تَوَقُّفِ خَلَاصِهِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَّالٍ أَخَذَ حِمْلَ قَتٍّ مِنْ غَيْطِ شَخْصٍ وَطَرَحَهُ عَلَى جُرْنِ غَيْرِهِ فَتَنَازَعَ صَاحِبُ الْحِمْلِ وَصَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِ الْحِمْلِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِ الْحِمْلِ الَّذِي وُضِعَ عَلَى جُرْنِهِ وَيُنْظَرُ لِمَا فِي الْحِمْلِ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْجُرْنِ فِي قَدْرِهِ

الصفحة 182