كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

وَالِاعْتِمَارُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبَيْنَ الْقَرَابَاتِ، فَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ حَدَّ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَمِثْلُهُ لِرَبِيعَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَعْوَامَ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ كَالْعَشَرَةِ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ فِي الِاعْتِمَارِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالثَّمَانِيَةَ الْأَعْوَامَ هِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِالسُّكْنَى وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَامًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا حَازَ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْقَرَابَاتِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ بِذَلِكَ لِقَرَابَاتِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ هَذَا فِيهِ فَهُمْ كَالْأَجْنَبَيْنِ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصْهَارِ وَالْمَوَالِي فَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَاتِ وَقِيلَ إنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَوَطْءِ الْإِمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّانِي الزَّرْعُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَالسُّكْنَى.
الثَّالِثُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ وَالْإِحْيَاءُ وَأَهْلُ الْحِيَازَةِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْأَوَّلُ الْأَبُ وَالِابْنُ فِيمَا بَيْنَهُمَا. الثَّانِي الْقَرَابَاتُ الْوَرَثَةُ وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثُ الْأَصْهَارُ وَالْمَوَالِي الرَّابِعُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شُرَكَاءُ وَغَيْرُ شُرَكَاءَ فَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِيَازَةِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ إنْ قَامَ عَلَى قُرْبٍ، وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى الْعَامُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي ثَمَنٍ وَلَا مَثْمُونٍ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا انْفَرَدَ بِذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَامِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ كَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْبَائِعُ بِمَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَامَ حِينَ عَلِمَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ وَأَمَّا الْحِيَازَةُ بِالْعُمْرَى وَالِاسْتِغْلَالِ فَيَخْتَلِفُ فَأَمَّا الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الزَّرْعُ وَالسُّكْنَى بَيْنَهُمَا حِيَازَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْحِيَازَةِ بَيْنَهُمَا بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ فِي الْحِيَازَةِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا إلَى مَا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ فِي الْجِدَارِ وَمُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَسَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالزَّرْعِ وَالسُّكْنَى إلَّا مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَمَرَّةٌ قَالَ إنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ فِي ذَلِكَ حِيَازَةٌ وَمَرَّةٌ قَالَ إنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَحِيَازَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَالِابْنِ عَلَى أَبِيهِ قَالَ وَيَتَحَصَّل فِي الْقَرَابَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ

الصفحة 195