كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

حِيَازَةٌ فِي الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحِيَازَةٍ فِيهِمَا إلَّا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ وَلَا تَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قَالَ وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمُوَالَى وَالْأَصْهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بِنَاءٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا هَذَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ وَأَمَّا فِيمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَمَرَّةً جَعَلَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ دُونَ تَهَدُّمٍ وَلَا بُنْيَانٍ وَمَرَّةً جَعَلَهُمْ مِثْلَ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمْ.
وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّونَ فِيمَا لَا شِرْكَةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ حِيَازَةٌ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجِدَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ أَنَّهَا حِيَازَةٌ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ شِرْكَةٌ فَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى الْوَرَثَةِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْأُصُولِ.
قَالَ أَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ وَمَا حَازَهُ الشَّرِيكُ أَوْ الْوَارِثُ عَمَّنْ وَرِثَ مَعَهُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَبِيدِ بِالْإِخْدَامِ وَاللِّبْسِ وَالِامْتِهَانِ مُنْفَرِدًا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُ فَالْقَضَاءُ فِيهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي ذَلِكَ عَامِلَةٌ وَالْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَالْحِيَازَةُ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ إذَا كَانَ حَاضِرًا عَالِمًا بِذَلِكَ الْعَامِ وَالْعَامَانِ وَفِي الدَّابَّةِ الْعَامَانِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِالرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَهَا بِوَجْهِ الْمِلْكِ وَالْأَمَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بِعِلْمِ الْمُدَّعِي فَلَا يَعْتَرِضُ فَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُولُ حِيَازَةٍ قَالَ وَالْعَبِيدُ وَالْعُرُوضُ فَوْقَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ.
وَفِي كِتَابِ الْجِدَارِ قَالَ عِيسَى مَا حَازَهُ الْوَارِثُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالشَّرِيكِ عَلَى إشْرَاكِهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْإِحْيَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي خَاصَّةِ مَالِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ إذَا مَضَى لِذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ فِي يَدُ حَائِزِهِ يَلِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ إشْرَاكِهِ وَلَا يُغِيرُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُونَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِأَمْرٍ لَا يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَلَمْ يَدَّعِهِ مِلْكًا لِحِيَازَتِهِ إيَّاهُ فَقَطْ قَالَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَازَ بَعْضَهَا وَكَانَ الَّذِي حَازَ مِثْلَ سَهْمِهِ فَهُوَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ شَيْءٌ إذَا ادَّعَى إشْرَاكَهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهُ يَعْمُرُ هَذِهِ الْعِمَارَةَ لِيَكُونَ سَهْمُهُ فِيهِ وَسِهَامُهُمْ فِيمَا بَقِيَ وَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ دَعْوَاهُ فِي الَّذِي عَمَّرَ أَنَّهُ لَهُ دُونَهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ حَقُّهُمْ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَهْمِهِ كَانَ لَهُ وَأَتَمَّ سَهْمَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ لَهُ مِقْدَارُ سَهْمِهِ بِسَهْمِهِ وَالْبَاقِي بِالْحِيَازَةِ.
قَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْبَيِّنَةُ دُخُولَهُمْ فِيمَا عَمَّرُوهُ وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّونَهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِابْتِيَاعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِثِهِمْ.

وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتَيْنِ وَمِلْكًا، وَعَاشَتْ الْبِنْتَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ تَزَوَّجَتَا وَوَلَدَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتَا وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا وَأَزْوَاجًا فَعَاشَ الْأَزْوَاجُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا طَلَبٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ فَقَامَ الْآنَ أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ يَطْلُبُونَ نَصِيبَ أُمِّهِمْ فِي الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَعَاشَ أَخُو الْبِنْتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا مُدَّةَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ بِعِلْمِ الْأَزْوَاجِ وَبَنِي الْأُخْتَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَرِضَا فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ فَقَالَ إذَا كَانَ الِابْنُ قَدْ حَازَ الْمِلْكَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ

الصفحة 196