كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ طَرِيقِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ وُجِدَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ يُثْبِتُ الرَّهْنِيَّةَ فَلَا عِبْرَةَ بِحِيَازَةِ الذِّمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ وَتَصَرُّفِهِ إذْ الرَّهْنُ يَبْقَى تَحْتَ الْمُرْتَهِنِ لِلتَّوَثُّقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ لِرَاهِنِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ الثَّابِتِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[أَصْلَحَ أَرْضًا لِآخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَزَرَعَهَا فَانْتَزَعَهَا رَبُّهَا مِنْهُ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَصْلَحَ أَرْضًا لِآخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَزَرَعَهَا فَانْتَزَعَهَا رَبُّهَا مِنْهُ فَمَا الْحُكْمُ. فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَامَ رَبُّهَا عَلَى الزَّارِعِ بَعْدَ فَوَاتِ الزِّرَاعَةِ لِجِنْسِ مَا زَرَعَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَزِمَ رَبُّهَا إبْقَاءَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِلْمُتَعَدِّي حَتَّى يَنْتَهِيَ طَيِّبُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ كِرَاءَ سَنَةٍ سَوَاءٌ بَلَغَ الزَّرْعُ وَقْتَ الْقِيَامِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَمْ لَمْ يَبْلُغْ، وَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّرْعِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ خُيِّرَ رَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْذِهِ مَجَّانًا وَأُمِرَ الزَّارِعُ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ خُيِّرَ رَبُّهَا أَيْضًا بَيْنَ أَمْرِهِ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَتِهَا وَأَخْذِهِ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مَطْرُوحًا مِنْهَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَلْعَ وَالتَّسْوِيَةَ إنْ كَانَ الزَّارِعُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَإِبْقَائِهِ لِزَارِعِهِ وَأَخْذِ كِرَاءِ سَنَةٍ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ انْتَفَعَ فَلِرَبِّهَا قَلْعُهُ أَوْ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَوْ كِرَاءِ سَنَةٍ وَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ إنْ فَاتَ الْإِبَّانُ انْتَفَعَ بِهِ أَمْ لَا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ كَانَ الزَّارِعُ ذَا شُبْهَةٍ أَوْ مَجْهُولًا وَاسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْفَوَاتِ أَيْ فَوَاتِ إبَّانِهَا تَشْبِيهٌ فِي كِرَاءِ الْمِثْلِ وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ الْأَرْضُ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا عَلَى ذِي الشُّبْهَةِ وَالْمَجْهُولِ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي دَارَيْنِ لِمَالِكَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مَاتَ مَالِكَاهُمَا وَاشْتَرَى الْعُلْيَا شَخْصٌ وَانْهَدَمَتْ فَأَرَادَ بِنَاءَهَا فَمَنَعَهُ مِنْهُ أَصْحَابُ السُّفْلَى مُدَّعِينَ أَنَّ الْفَرَاغَ لَهُمْ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَ وَضْعُ الْعُلْيَا عَلَى السُّفْلَى بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ لَا بِحُجَّةٍ وَلَا بِبَيِّنَةٍ فَهَلْ يُفْضِي بِهِ لِأَصْحَابِ السُّفْلَى أَوْ لِمُشْتَرِي الْعُلْيَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُقْضَى بِهِ لِمُشْتَرِي الْعُلْيَا وَيُجْبَرُ أَصْحَابُ السُّفْلَى عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ إعَادَةِ مِثْلِ بِنَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَارِيَ بِهِ عُرْفُ مِصْرَ كَوْنُ وَضْعِ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ بِوَجْهِ الشِّرَاءِ لَا بِوَجْهِ الْكِرَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ وَلَدَيْنِ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ لَمْ يَسْكُنْ فَهَلْ يُحَاسَبُ السَّاكِنُ بِالْأُجْرَةِ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ سَكَنَ قَدْرَ نِصْفِهَا فَأَقَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَكَنَ فِي حَقِّهِ وَمَا يَخُصُّهُ، وَإِنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ مَعْذُورًا بِنَحْوِ غَيْبَةٍ غَرِمَ السَّاكِنُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا سَكَنَهُ لِمَنْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ فَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ فَإِنْ جَرَتْ بِالْمُشَاحَّةِ وَالْمُحَاسَبَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَجْرِ بِشَيْءٍ حَاسَبَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ لِلْأُسْتَاذِ الدَّرْدِيرِ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْمَطْرُوءُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ كَأَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ

الصفحة 202