كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَ مَالِكٌ لِإِجْمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مَنْ يُرْضَى مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُرْضَى وَجُلِّ مَا يَدْخُلُ بُيُوتَ الْأَمْوَالِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِيمِ وَاَلَّذِي يَظْلِمُونَ مِنْهُ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرَ أَخْذَ الْعَطَاءِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ إلَى الْيَوْمِ، وَأَمَّا قَوْلُك فِي الْقُضَاةِ فَإِنَّهُمْ أُجَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنِ زِيَادٍ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَدْفَعُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونَ قَبُولُ الْجَوَائِزِ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ جُرْحَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ بَيِّنٌ إذْ قَبَضُوا ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى الْجِبَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلُهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا وَتَصْرِيفَهَا بِاجْتِهَادِهِمْ فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا كَالْحَجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِمْ فِي الْأُمُورِ فَقَبْضُ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ كَقَبْضِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ، وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْأَجْنَادُ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْزَاقَهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَنَّهُمْ أَعْنِي الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضُرِبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ إعْطَاءِ مَالِ اللَّهِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ بِوَجْهِ اجْتِهَادِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ أَمَّا جَوَائِزُ الْعُمَّالِ فَفِيهَا شَيْءٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِمْ، وَإِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ أَنْزَلَهُمْ فِي جَمِيعِهَا مَنْزِلَتَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّ فِي أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّفْوِيضُ لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَاهَةِ وَجْهٌ كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْمَالِ بِاجْتِهَادِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهِ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لِتَسْوِيغِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ وَجْهٌ فَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَعَدَلَ فِي الْقِسْمَةِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَوَائِزِ مِنْهُ.
وَإِذَا كَانَ الْمَجْبِيُّ حَلَالًا وَلَوْ يَعْدِلُ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ حَتَّى يَعْدِلَ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبِيُّ يَشُوبُهُ حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ أَخْذَ الْجَوَائِزِ مِنْهُ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَلَالِ وَفِيهِ كَرَاهَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَجْبِي الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فَمَنْ أَخَذَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْبِيِّ الْحَرَامِ فَهَذَا مُحَصَّلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا. هـ. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ وَإِيَّاهُ يَنْقُلُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْفَرْعِ، وَقَالَ فِي الْمَنْزَعِ النَّبِيلِ لِابْنِ مَرْزُوقٍ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ لَهُ مَالٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ جَائِزَتِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ لَا شَكَّ أَنَّهَا حَلَالٌ قَالَ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ مِنْ جَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ إلَّا مَا كَانَ قَدْرَ حَقِّ مَنْ أُجِيزَ اهـ وَمِنْ جَامِعِ ابْنِ يُونُسَ وَمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْل الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرَى هِبَةً. ابْنُ سَحْنُونَ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ مَا اشْتَرَوْهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لِرَجُلٍ جَازَ لِلْمُهْدَى لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَرَامَ

الصفحة 271