كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

وَالْعُمْرَى أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَنَةً فَهَلْ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سَنَةٍ أَنَّهَا تَنْفُذُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إلَى سُكْنَى الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْلَاهَا الزَّمَنَ الطَّوِيلَ وَحَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا سَكَنَهَا فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْكِبَارِ الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ أَعْمَرَ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ، وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِأَنْ أَجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا بِخِلَافِ سَنَةٍ أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ، وَلَا إنْ عَادَتْ لَهُ قَبْلَ السَّنَةِ بِخِلَافِ بَعْدَهَا وَالْعَوْدِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إرْفَاقٍ لَا إنْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ فِيهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي جَمَاعَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَرَاوِنَةِ يَتَحَارَبُونَ مَعَ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَمَعَ الْمَرَاوِنَةِ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ إنَّ الْمُلْتَزِمَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَذَكَرَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ لِلْمَرَاوِنَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ لِلْمَرَاوِنَةِ خَاصَّةً، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ وَإِنَّمَا هُوَ مُصَاحِبٌ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ قَصْدُ الْمُلْتَزِمِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْحَرْبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِمْ فِي كَفِّ الْمُفْسِدِينَ مَثَلًا كَانَ كَمَعْلُومِ وَظِيفَةِ الْعَمَلِ إذَا قَبِلُوا رَجُلًا مَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ دَخَلَ مَعَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ لِغَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا خَاصَّةً كَمَحَبَّةِ الْمُلْتَزِمِ بِهِمْ مَثَلًا فَلَا دُخُولَ لِغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا حُلِيًّا وَنَخِيلًا وَعَقَارًا بَاعَتْ بَعْضَهَا لِابْنِهَا الْبَالِغِ وَوَهَبَتْهُ الْبَاقِيَ وَحَازَهَا مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ، وَهِيَ فِي حَالَةِ صِحَّتِهَا وَسَلَامَتِهَا فَهَلْ الْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَشِيدَةً حَافِظَةً لِمَالِهَا، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهَا لِأَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ وَدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مَحْجُورَةً لِأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَلِزَوْجِهَا رَدُّ جَمِيعِ مَا تَبَرَّعَتْ بِهِ أَوْ بَعْضَهُ إنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدِينَةً بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لَمَا وَهَبَتْهُ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ رَدُّ الْهِبَةِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِابْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ ابْنِهِ جَمِيعَ مَالِهِ وَاسْتَمَرَّ الْوَاهِبُ حَائِزًا لِلْمَالِ وَمَا قَوْلُكُمْ فِي امْرَأَةٍ وَهَبَتْ ثُلُثَ مَالِهَا لِابْنِ ابْنِهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ ابْنِهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَائِزَةً لِمَا وَهَبَتْ حَتَّى مَاتَتْ فَهَلْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِسَبَبِ مَوْتِ الْوَاهِبِ فِي الْأُولَى وَالْوَاهِبَةِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْحِيَازَةِ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيزَتْ الْهِبَةُ جَبْرًا وَأَبْطَلَهَا الْمَانِعُ قَبْلَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

الصفحة 273