كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

لَازِمَةٍ وَأَنَّ لَهَا الْقِيَامُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَسْكُتُ لِذَلِكَ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ سَيِّدِي أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ سُئِلَ عَمَّنْ تَصَدَّقَتْ، وَهِيَ بِكْرٌ مُهْمَلَةٌ عَلَى أَخَوَاتِهَا بِإِرْثِهَا فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ طُولٍ فَأَجَابَ الْقَوْلُ لِلْقَائِمَةِ أَنَّ سُكُوتَهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ هِبَةَ الْبِكْرِ الْمُهْمَلَةِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ أَوْ إلَى مَا تَعُدُّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا بِالْحُكْمِ إلَى وَقْتِ قِيَامِهَا مُجِيزَةً لِهِبَتِهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي قَطْعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَةَ الْجَهْلِ فِيهِ مِمَّا تَجْهَلُهُ غَالِبًا، وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَهْلُ الْفِقْهِ وَقَاعِدَتُهُمْ أَنَّ مُدَّعِيَ الْجَهْلِ فِيمَا يَجْهَلُهُ أَبْنَاءُ جِنْسِهِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي جَهْلِهِ.
الرَّابِعُ يُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِقَرِيبِهَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَا وَهَبَتْهُ وَاسْتِغْلَالَهُ قَبْلَ قِيَامِهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَسُكُوتَهَا حَيَاءٌ لَا يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُنَجِّيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا قَالَ ابْنُ لُبٍّ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّدَقَةِ إذَا طَلَبَتْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ وَفُهِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَعْطَاهَا حَيَاءً وَخَجَلًا لَا عَنْ طِيبِ النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السَّلْجِمَاسِيِّ عَلَى الْعَمَلِيَّاتِ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَبَرَّعَ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ دَارِهِ وَلَمْ تَزَلْ تَحْتَ يَدِهِ وَرَجَعَ فِي تَبَرُّعِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْجَدِّ الرُّجُوعُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِأَوْلَادِ ابْنِهِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ أَوْ وَجْهَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوَانِعِ جُبِرَ عَلَى تَحْوِيزِهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ يَمْلِكُهُمَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَاعْتِصَارُ الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْأَبِ دَنِيَّةٌ وَالْأُمِّ بِشُرُوطٍ وَكَذَا الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْجَدُّ الرُّجُوعَ فِيهَا وَإِلَّا عُمِلَ بِشَرْطِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحِيزَتْ الْهِبَةُ جَبْرًا لِلُزُومِهَا بِالْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ وَلِلْأَبِ نَزْعُ الْهِبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الِاعْتِصَارِ عَلَى التَّحْقِيقِ حَازَ الْوَلَدُ أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَالْأُمِّ مِنْ ذِي الْأَبِ وَلَوْ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا إلَّا أَنْ يَطْرَأَ يُتْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُنْزَعُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إلَّا بِشَرْطٍ، وَإِنْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَفَاتَ النَّزْعُ بِغَيْرِ النَّقْلِ وَحَوَالَةُ السُّوقِ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ لَهَا بَالٌ وَبِوَطْءِ الثَّيِّبِ وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ مُجَرَّدُ الِافْتِضَاضِ وَبِالْمُعَامَلَةِ وَبِمَرَضِ الْوَاهِبِ أَوْ الْمَوْهُوبِ إلَّا أَنْ يَزُولَ أَوْ يَهَبَ فِيهِ، وَأَمَّا التَّعَامُلُ فَيَمْنَعُ وَلَوْ زَالَ وَكُرِهَ مِلْكُ الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ إرْثٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ وَسَبَقَ التَّرْخِيصُ فِي الْعَرِيَّةِ وَكَذَا الْعُمْرَى وَمَا تَتَسَامَحُ فِيهِ النُّفُوسُ مِنْ شُرْبِ الْمُحْبِسِ مِنْ مَائِهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَلَّتِهَا وَلَوْ أَذِنَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَلَوْ رَشِيدًا عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لِغَيْرِهِ حَرُمَ وَجَازَ إنْفَاقٌ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَتَقْوِيمُ رَقَبَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى كَصَغِيرٍ أَرْفَعَ الْقَيِّمَ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِ نَفْسِ الْأَبِ عُلِّقَتْ بِالْجَارِيَةِ أَوْ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ. قَالَ الْعَدَوِيُّ وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ فِي الْإِنْفَاقِ وَالتَّقْوِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ يَتِيمٍ نِصْفَ قِيرَاطٍ فِي طَاحُونٍ وَاسْتَمَرَّ الْوَلَدُ فِي حَضَانَةِ جَدِّهِ حَتَّى مَاتَ فَبَقِيَ الْوَلَدُ مُهْمَلًا فِي كَفَالَةِ الْأَجَانِبِ حَتَّى رَشَدَ وَعَلِمَ بِالْهِبَةِ فَقَامَ سَرِيعًا يُرِيدُ أَخْذَهَا فَوَجَدَهَا فِي حِيَازَةِ رَجُلٍ مُدَّعٍ اشْتِرَاءَهَا مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْجَدِّ فَهَلْ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالْبَيْعِ وَلَهُ نَزْعُهَا مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ قَهْرًا عَنْهُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

الصفحة 279