كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

الْوَلَدُ حُرًّا وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ، وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ، وَلَا صَرَفَ الْغَلَّةَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ.
ابْنُ رُشْدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: وَدَارَ سُكْنَاهُ أَيْ وَكَذَا ثَوْبٌ لَبِسَهُ وَمَوْضُوعٌ تَفْصِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَحْجُورِ وَلَوْ بَلَغَ أَوْ رَشَدَ وَلَمْ يَحُزْ بَعْدُ وَالْحَاصِلُ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ أَنَّهُ تَفْتَرِقُ دَارُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِهَا فِي هِبَةِ الْأَبِ لِلصَّغِيرِ أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلتَّخَلِّي، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَمِثْلُهُ الْمَلْبُوسُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَكْفِي الْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْحِيَازَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ وَإِحْضَارِ الشُّهُودِ بِهَا فِيمَا لَا يَسْكُنُهُ الْأَبُ، وَلَا يَلْبَسُهُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا لَيْسَ خَاصًّا بِدَارِ السُّكْنَى بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إذَا لَمْ يُخَصِّصُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بِدَارِ السُّكْنَى كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُ الدُّورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الثِّيَابُ يَلْبَسُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ أَيْ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ ا. هـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ انْقَطَعَ عَنْ التَّكَسُّبِ وَلَهُ وَلَدٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ فَفَوَّضَ لَهُ الْأَمْرَ فَصَارَ قَائِمًا بِكَامِلِ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ وَتَجَدَّدَتْ لَدَيْهِمَا مَوَاشٍ وَغَيْرُهَا، ثُمَّ تَنَازَعَا فَتَوَجَّهَ الْأَبُ طَائِعًا مُخْتَارًا إلَى نَائِبِ الْقَاضِي وَأَسْقَطَ لِوَلَدِهِ نِصْفَ كَامِلِ مَا لَدَيْهِمَا مِنْ عَقَارٍ وَمَوَاشٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجَدَّدَ وَغَيْرِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَ النَّائِبُ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَتَقَاسَمَا مُنَاصَفَةً وَأَبَاحَ لِوَلَدِهِ التَّصَرُّفَ فِيمَا خَصَّهُ فَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ الْأَبُ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ نَزْعَ مَا أَعْطَاهُ لِوَلَدِهِ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا حَتَّى كَادَ الْوَلَدُ أَنْ يَقَع فِي الْمَحْظُورِ فَهَلْ لَا يُمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ سَدًّا لِلْفِتْنَةِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يُمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ الْمَذْكُورَ هِبَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالَ وَنَمَاءَهُ لِلْأَبِ، وَهُوَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ لَا يَعْتَصِرُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَعَبْدِ الْبَاقِي وَسَلَّمَهُ الْعَدَوِيُّ، وَإِنْ قَالَ الْبُنَانِيُّ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا قُلْنَا مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ خُصُوصًا إذَا حَصَلَ مُفَوِّتٌ آخَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ مُعَامَلَةٍ لِأَجْلِهَا وَنَحْوِهَا وَأَيْضًا فِي أَجْوِبَةِ الْأُجْهُورِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْقَسْمُ فِي هِبَةِ غَيْرِهِ أَيْ الثَّوَابِ يُفِيتُ الِاعْتِصَارَ فِيهَا اهـ. وَنَصَّ الْخَرَشِيُّ وَكَذَلِكَ لَا اعْتِصَارَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْهِبَةِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ. وَنَصُّ الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ الْخَرَشِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى هِبَتِهِ لَا يَعْتَصِرُهَا قَالَ الْبُنَانِيُّ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا اهـ.

[امْرَأَة قَالَتْ لِزَوْجِهَا حَجِّجْنِي وَأَبْرَأْتُك مِنْ بَاقِي صَدَاقِي فَحَجَّجَهَا وَرَجَعَتْ فِي بَرَاءَتِهَا]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا حَجِّجْنِي وَأَبْرَأْتُك مِنْ بَاقِي صَدَاقِي فَحَجَّجَهَا وَرَجَعَتْ فِي بَرَاءَتِهَا فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إحْجَاجِهِ إيَّاهَا ذَهَابَهُ مَعَهَا وَخِدْمَتَهَا، وَهِيَ الَّتِي تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا نَفَقَةَ السَّفَرِ الزَّائِدَةَ فَالْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ لَازِمٌ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً فَلَا تُجَابُ لِلرُّجُوعِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ النَّفَقَةَ الزَّائِدَةَ لِلسَّفَرِ

الصفحة 285