كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ، وَمُبَيَّنٌ بِهَا قَدْرُ الْأَذْرُعِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْبَيْعُ إلَى طنيوس، وَادَّعَى بِشَايِ أَنَّ بَعْضَ الْأَذْرُعِ الَّتِي بِالْوَثَائِقِ دَاخِلٌ بِمَنْزِلِ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ، وَلَمَّا أَعْطَى الْجَوَابَ إلَى مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَيِّرُ قِرَاءَةَ وَثَائِقِ الشِّرَاءِ وَاعْتِبَارَ الْمَنَازِلِ بِالْقِيَاسِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ زَائِدٌ يَأْخُذُهُ، وَقَدْ صَارَ عِبْرَةً مَنْزِلُ طنيوس وَمَنْزِلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ بِالذِّرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُعْتَادِ لِقِيَاسِ الْمَنَازِلِ بِحُضُورِ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَوُجِدَ زَائِدٌ بِمَنْزِلِ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا حَاصِلٌ صَغِيرٌ مِنْ دَاخِلِ مَنْزِلِ طنيوس مَسْدُودٌ بَابُهُ مِنْ مَنْزِلِ طنيوس وَمَفْتُوحٌ لَهُ طَاقَةٌ مِنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ فَحِينَئِذٍ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُخَلِّيَ يَدَهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا إلَى مَنْ تَكَلَّمَ عَنْهَا بِشَايِ لِكَوْنِ مَنْزِلِ طنيوس نَقَصَ عَمَّا فِي الْوَثَائِقِ بِحُكْمِ الْحَاصِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا وَرُبْعًا، وَالْبَاقِي يَسْتَوْفِيهِ مِنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ، فَسَطَّرَ ذَلِكَ ضَبْطًا لِلْوَاقِعِ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَفَرَ سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى حُجَجِ الشَّرْعِ الثَّلَاثِ الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ وَالْبُرْهَانِ، وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى دَعْوَى بِمَجْهُولٍ، وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُدَّعَى بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَإِخْوَتِهِ الْغَائِبِينَ وَالْقَاصِرِينَ بِدُونِ تَوْكِيلٍ وَلَا وَصِيَّةٍ فَهَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَفْيَدُونَا إفَادَةً شَافِيَةً، وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِبُطْلَانِهِ لِمَا ذُكِرَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الذِّكْرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ خَالِيًا عَنْ حُجَجِ الشَّرْعِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِقْرَارِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ وَلَمَّا أَعْطَى الْجَوَابَ إلَى مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَيِّرُ قِرَاءَةَ وَثَائِقِ الشِّرَاءِ وَاعْتِبَارَ الْمَنَازِلِ، وَقَدْ صَارَ إلَخْ، وَلَيْسَ مُشْتَمِلًا عَلَى دَعْوَى بِمَجْهُولٍ، كَيْفَ وَالْمُدَّعَى بِهِ قِطْعَةُ أَرْضِ مُحَدَّدَةٍ بِحُدُودٍ مَخْصُوصَةٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُدَّعِي جَهِلَ كَمِّيَّةَ ذَرْعِهَا وَأَحَالَهَا عَلَى الْوَثَائِقِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْلَ الْأَرْضِ الْجُزَافِ إنَّمَا الْجَهْلُ الْمُوجِبُ لِبُطْلَانِ الدَّعْوَى جَهِلَ الْجِنْسَ وَالْعَيْنَ كَأَنْ يَقُولَ: لِي عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَا بَيِّنَةَ، وَكَوْنُ الْجُزْءِ الْمُدَّعَى مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَإِخْوَتِهِ إلَخْ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْوَثِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَحْتَاجُ لِلْإِثْبَاتِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الرَّدَّ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ مِنْ تَسَاهُلِ الْمُفْتِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى نِصْفَ بُسْتَانٍ وَسَكَنَ فِي جَمِيعِهِ وَأَدَارَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْعِمَارَةِ وَيُعْطِي لِشَرِيكِهِ نِصْفَ الثِّمَارِ إلَى أَنْ مَاتَ مُشْتَرِي النِّصْفِ فَاسْتَوْلَى وَلَدُهُ عَلَى الْبُسْتَانِ وَأَظْهَرَ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا أَنَّ وَالِدَهُ اشْتَرَى بَقِيَّةَ الْبُسْتَانِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كَانَتْ الْوَرَقَةُ وَثِيقَةَ قَاضٍ وَفِيهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ عُمِلَ بِهَا وَلَوْ مَاتَ شُهُودُهَا وَجُهِلَ حَالُهُمْ إذْ الْأَصْلُ الصِّحَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ حَضَرَ شُهُودُهَا فَالْعِبْرَةُ بِهَا وَإِنْ غَابُوا غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا وَقَدْ وَضَعُوا خُطُوطَهُمْ فِيهَا وَشَهِدَ عَلَيْهَا الْعُدُولُ بِشَرْطِهَا الْمَعْرُوفِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ الْخَطَّ كَالْمُعَيَّنِ وَأَنَّ كَاتِبَهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْغَيْبَةِ عُمِلَ بِهَا أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا قَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرُّسُومُ الَّتِي جَعَلَهَا الْقُضَاةُ الْمَاضُونَ وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَهُمْ مَعْمُولٌ بِهَا مُحَافَظَةً عَلَى قَاعِدَةِ حِفْظِ الْحُقُوقِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ وَتَفَانِي الْبَيِّنَاتِ، وَلَوْ جُهِلَ حَالُهُمْ فَإِنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ

الصفحة 290