كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

الْأَوَّلَ وَإِنْ وَقَعَتْ فَتْوَى بِخِلَافِهِ فِيهَا وَجَبَ إلْغَاؤُهَا وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهَا وَاسْتَحَقَّ مُفْتِيهَا الْأَدَبَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ هَذَا هُوَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَلَّذِي دَوَّنَتْهُ أَئِمَّتُنَا الْأَعْلَامُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ بِالْحُكْمِ وَوَلَّاهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ - سَدَّدَ اللَّهُ رَأْيَهُ - الْعَمَلُ بِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَوَلَّى هُدَانَا وَإِيَّاهُ بِجَاهِ خَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ ضَاعَتْ لَهُ بَقَرَةٌ وَوَجَدَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَتَوَجَّهَ مَعَهُ إلَى مُفْتٍ وَادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ بَقَرَتِهِ فَأَجَابَ الْحَائِزُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَأَحْضَرَهَا وَشَهِدَتْ بِصِدْقِ دَعْوَاهُ فَحَكَمَ لَهُ بِهَا فَامْتَنَعَ الْحَائِزُ مِنْ تَسْلِيمِ الْبَقَرَةِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ فَوَضَعَهَا الْمُفْتِي عِنْدَ أَمِينٍ حَتَّى يُفَتِّشَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ فَأَحْضَرَ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ رَجُلًا ادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُ بَقَرَتِهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَاعَهَا لِلْحَائِزِ فَطَلَبَ مِنْهُ بَيِّنَةً فَأَحْضَرَ رَجُلَيْنِ مَجْهُولَيْنِ فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَوَّلًا وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ لِلْحَائِزِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ بَاطِلٌ وَهَلْ إذَا ضَاعَتْ الْبَقَرَةُ تَلْزَمُ الْمُفْتِي وَهَلْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْحَائِزِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَعْرِفُ الْبَائِعَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ هَذَا الْحُكْمُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ عَدَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَلِعَدَمِ الْأَعْذَارِ فِيهِمَا الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ أَيْضًا وَإِذَا ضَاعَتْ الْبَقَرَةُ تَلْزَمُ الْحَائِزَ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَا أَعْرِفُ الْبَائِعَ لَا يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ لِإِمْكَانِ عِلْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ فَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْبَائِعُ لَهُ وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ بِوِلَادَتِهَا عِنْدَهُ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَعْذَارِ كَذَلِكَ وَيُرْجَعُ لِلْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الزَّوْجَةَ بَانَتْ مِنْ أَبِيهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَهَلْ لَا تُعْتَبَرُ دَعْوَاهُ وَتُعْطَى الزَّوْجَةُ مِيرَاثَهَا قَهْرًا عَنْهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الطَّحْلَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ دَعْوَى أَوْلَادِ الْمَيِّتِ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِطَلَاقِهَا فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُمْ كَانَتْ دَعْوَاهُمْ بَاطِلَةً وَحِينَئِذٍ تَأْخُذُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ نَصِيبَهَا مِنْ مِيرَاثِهِ قَهْرًا عَنْ أَوْلَادِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْ حَقِّهَا وَيُثَابُ الْحَاكِمُ عَنْ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا وَمِنْ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ.

[رَجُل ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً غَيْرَ عُدُولٍ عِنْدَ حَاكِمٍ عُرْفِيٍّ فَأَرَادَ رَبُّ الدَّيْنِ التَّجْرِيحَ فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ فَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَلَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ حُبَيْشِيٌّ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَيْثُ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالرَّدِّ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَجْرِيحَهَا فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ السِّيَاسِيُّ مِنْ التَّجْرِيحِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَانِحِ الصَّوَابِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ

الصفحة 298