كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 2)

ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَقَامَتْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةٍ أَيْضًا وَمَاتَ الْبَائِعُ فَنَازَعَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ وَرَثَةَ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَطَلَبَتْ مِنْهَا وَثِيقَةَ الشِّرَاءِ فَادَّعَتْ ضَيَاعَهَا وَتَرَافَعُوا لِلْقَاضِي وَأَقَامَتْ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِشِرَاءِ مُوَرِّثِهِمْ شِرَاءً صَحِيحًا وَعَجَزَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ عَنْ التَّجْرِيحِ فِيهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ إذَا أَرَادَتْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ لَا تُسْمَعُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ يُنْظَرُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِحَسَبِ الشَّأْنِ وَإِنْ بُوِّرَتْ لِغَرَضِ الدَّرْسِ وَالتَّذْرِيَةِ فِيهَا فَبَيْعُهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ أَرْضَ مِصْرَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَنَاعِرُهَا السُّلْطَانُ فَلَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ حَتَّى تُبَاعَ نَعَمْ يَصِحُّ فِيهَا إسْقَاطُ الْحَقِّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَأَصْلَحَهَا وَغَرِمَ عَلَيْهِ أَمْوَالًا وَحَيْثُ ثَبَتَتْ حِيَازَةُ الْمُسْقَطِ لَهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَصَرُّفِهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَا مَانِعَ لِلْمُسْقِطِ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَرَثَةِ الْمُسْقِطِ بِالْكَسْرِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى الْإِسْقَاطِ بَيِّنَةٌ وَلَا وُجِدَتْ بِهِ وَثِيقَةٌ كَيْفَ وَقَدْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ وَرَثَةِ الْمُسْقِطِ بِالْكَسْرِ بِعَدَمِ الْإِسْقَاطِ لِمَوَانِعَ: الْأَوَّلُ: الْحِيَازَةُ الْمَذْكُورَةُ.
الثَّانِي: مُعَارَضَةُ الْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ.
الثَّالِثُ: تَقَدُّمُ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِنَفْيِ الْإِسْقَاطِ مَحْضُ زُورٍ إذْ لَا يُمْكِنُ مُلَازَمَتُهَا لِلْمُسْقِطِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْقَاطُ. وَبِالْجُمْلَةِ الْحَقُّ فِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَسْقَطِ لَهُ الَّذِي عَبَّرْت عَنْهُ أَيُّهَا السَّائِلُ بِالْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ وَلَا تُفِيدُ دَعْوَى وَلَا وَثَائِقُ بَعْدَ الْحَوْزِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكِ عَشْرِ سِنِينَ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ مُدَّعِيًا الْمِلْكِيَّةَ وَالْآخَرُ سَاكِتٌ بِلَا عُذْرٍ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تُفِيدُ فِي الْوَقْفِ وَعِبَارَةُ الْعَدَوِيِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحُبْسُ لَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بَلْ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الطُّرُقُ وَالْمَسَاجِدُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا بَلْ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ اهـ.
قُلْت الْحِيَازَةُ هُنَا لَمْ نَعْتَبِرْهَا فِي ذَاتِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بِحَيْثُ نَحْكُمُ بِمِلْكِهَا لِلْحَائِزِ حَتَّى يُنَافِيَ مَا ذُكِرَ بَلْ فِي إصْلَاحِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْإِسْقَاطُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَارَضَةُ نَظِيرُ خُلُوِّ الْوَقْفِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُصْلِحُ بِإِذْنِ نَاظِرِهِ فَيَمْلِكُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مَوَاتًا أُحْيِيَتْ أَوْ مِنْ أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا فَالشِّرَاءُ فِيهَا صَحِيحٌ وَالْحَقُّ فِيهَا لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ كَمَا قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى الزَّرْقَانِيِّ وَيَسْكُتُ الْمُحَازُ عَنْهُ أَوْ يَكْفِي حِينَ الْمُنَازَعَةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ الْمُشْرَطَةِ فِي الْحِيَازَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَصْدُرَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَلَوْ مَرَّةً وَلَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَكْفِي حِينَ الْمُنَازَعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلَيْنِ حَائِزَيْنِ قِطْعَةَ أَرْضٍ مِنْ أَرْضِ مَزَارِعِ مِصْرَ مُتَصَرِّفَيْنِ فِيهَا بِكَامِلِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَأُصُولِهِمْ قَبْلَهُمْ وَمُقَيَّدَةً عَلَيْهِمْ بِالدَّفَاتِرِ الدِّيوَانِيَّةِ طِبْقَ الذِّمَمِ الْمَاضِيَةِ يَزْرَعُونَهَا

الصفحة 317