كتاب كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي (اسم الجزء: 2)

أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدِينَةُ مِنْ الدِّينِ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ بِهَا طَاعَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا دِينُ أَهْلِهَا أَيْ: مِلْكُهُمْ يُقَالُ: فُلَانٌ فِي دِينِ فُلَانٍ أَيْ: فِي مِلْكِهِ وَطَاعَتِهِ وَتُسَمَّى أَيْضًا: طَابَةٌ وَطَيْبَةُ (وَالْأَوْلَى: أَنْ لَا تُسَمَّى بِيَثْرِبَ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّثْرِيبِ وَهُوَ التَّعْيِيرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي اللَّوْمِ وَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَقَالَةِ الْمُنَافِقِينَ وَيَثْرِبُ فِي الْأَصْلِ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ بَنَى الْمَدِينَةَ فَسُمِّيَتْ بِهِ وَقِيلَ: يَثْرِبُ اسْمِ أَرْضِهَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ.

(فَلَوْ صَادَ) مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ (وَذَبَحَ) صَيْدَهَا (صَحَّتْ تَذْكِيَتُهُ) قَالَ الْقَاضِي تَحْرِيمُ صَيْدِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا: تَصِحُّ؛ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَيْنِ.

(وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِهَا) أَيْ: الْمَدِينَةِ (وَحَشِيشِهَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
(وَيَجُوزُ أَخْذُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ) أَيْ: رَحْلِ الْبَعِيرِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْقَتَبِ (وَالْقَتَبُ وَعَوَارِضُهُ وَآلَةُ الْحَرْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَآلَةِ الدَّيَّاسِ وَالْجَذَّاذِ وَالْحَصَّادِ (وَالْعَارِضَةِ لِسَقْفِ الْمَحْمَلِ وَالْمُسَانَدِ مِنْ الْقَائِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُنْصَبُ الْبَكَرَةُ عَلَيْهِمَا وَالْعَارِضَةُ بَيْنَ الْقَائِمَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَعُودِ الْبَكَرَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ وَأَصْحَابُ نُضَحٍ وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا فَرَخِّصْ لَنَا فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ وَالْوِسَادَةُ وَالْعَارِضَةُ وَالْمُسْنَدُ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعْضَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَاسْتَثْنَى الشَّارِح ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُبَاحًا وَالْمُسْنَدُ: عُودُ الْبَكَرَةِ (وَ) يَجُوز أَخْذُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ (مِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ يَقْرُبُ مِنْهَا شَجَرٌ وَزَرْعٌ فَلَوْ مُنِعْنَا مِنْ احْتِشَاشِهَا أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِخِلَافِ مَكَّةَ.

(وَمَنْ أَدْخَلَ إلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاس خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسَبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِهَا) وَشَجَرِهَا

الصفحة 474