كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 2)

وأقول: أن قوله: فالجود ما حمد الأولى منه قوله: فالحمد ما كسب، وذلك أن الإنسان إنما يعطي ماله ليكسب الحمد، فإذا منّ بالعطاء لم يحصل له ذلك، وهذا من قوله تعالى: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) وفيه نظر إلى قوله - صلّى الله عليه -: أوغلوا في هذا الدّين برفق فأنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
وقوله: (الطويل)
خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصّبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
قال: هذا البيت شرح ما قبله، وفي دليل على إنه لمن فارق ذامّ، لأنه جعله كالشّيب.
وقال: لو فارقت الشيب الذي هو ذميم برحيل (إلى) الصّبا، الذي هو أفصل حياة الإنسان، لكان ذلك الفراق موجعا للقلب مبكيا للعين. وقد وصف نفسه في هذا البيت بوفاء لم يسمع مثله.

الصفحة 237