كتاب شرح الرسالة (اسم الجزء: 2)

وأما وصفه إياها بأنها أكل وشرب فلا ينفى جواز صومها على وجه، وإنما ذلك وصف لها بالمقصود منها والغالب؛ لأن صومها هو النادر؛ ألا ترى أنه قد وصف يوم عرفة بذلك وصومه جائز باتفاقنا؛ فروى موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق عندنا وعند أهل الإسلام أيام أكل وشرب".
فإن قيل: كل يوم لا يصح صومه تطوعًا لم يجز صومه في التمتع؛ اعتبارًا بيوم النحر.
فالجواب: أن اعتبار الفرض بالنفل في هذا ليس بصحيح من قبيل أن الفرض لتأكده يجوز فعله في وقت لا يجوز فعل النفل؛ ألا ترى أن صلاة التطوع منه عنها بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع لم يجوز أن يصلى في هذه الأوقات فرضًا يذكر؟.
والذي يدل على جواز الصوم بعد أيام التشريق، وأن الهدى لا يستقر في ذمته بمضيها أنه صوم واجب؛ فوجب جواز أن يفعل قضاء وأداء، أو نقول: فوجب ألا يسقط بفوات وقته، أو نقول: فوجب أن يفعل بعد ذهاب وقته؛ اعتبارًا بصيام رمضان وبالصوم في كفارة الظهار.
ويبين ذلك أيضًا ما قاله أصحابنا أن الصوم في الأصول على ثلاثة أضرب: منه ما يتعلق بوقت مخصوص به متعين فيه؛ وهو صوم رمضان والنذر المعين. ومنه ما يتعلق فعله بشرط من غير أن يختص (بزمان) معين إلا

الصفحة 305