كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 2)

عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ به أَوْ تتكَلَّمْ" (¬1) فمحمول عَلَى ما إِذَا لم يستقر، وذلك معفو عنه بلا شك؛ لأنه لا يمكن الانفكاك عنه بخلاف الاستقرار، وستأتي المسألة مبسوطة في موضعها إن شاء الله تعالى.
وقولها: (أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ)، أي: يطيقون الدوام عليه. وقال لهم - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لئلا يتجاوزوا طاقتهم فيعجزوا، وخير العمل ما دام وإن قل (¬2). وإذا حُمّلوا ما لا يطيقونه تركوه أو بعضه بعد ذَلِكَ، وصاروا في صورة ناقضي العهد، والراجعين عن (عادة جميلة) (¬3)، واللائق بطالب الآخرة الترقي وإلا فالبقاء عَلَى حاله؛ ولأنه إِذَا اعتاد من الطاعة بما يمكنه الدوام عليه دخل فيها بانشراح واستلذاذ لها ونشاط، ولا (يلحقه) (¬4) ملل ولا سآمة. والأحاديث بنحو هذا كثيرة في الصحيح مشهورة (¬5).
وقد ذم الله تعالى من اعتاد عبادة ثمَّ فرط فيها بقوله: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].
¬__________
(¬1) سيأتي برقم (5269) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره. من حديث أبي هريرة.
(¬2) دل على ذلك حديث سيأتي برقم (5861) كتاب: اللباس، باب: الجلوس على الحصير ونحوه، ورواه مسلم (782) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره. عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجر حصيرًا بالليل فيصلي، وفي آخره قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإن أحب الأعمال إلى الله مادام وإن قل".
(¬3) في (ج): العادة الجميلة.
(¬4) في (ج): تلحقهم.
(¬5) منها الحديث السالف، وأيضًا أحاديث ستأتي في كتاب، الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل (6461 - 6467).

الصفحة 575