بَعْدِ مَا فُتِنُوا} (¬1) [النحل: 110]، ومن قرأ "فَتنوا" بالفتح وهو ابن عامر (¬2)، فالمعنى: فتنوا أنفسهم. وعن عمرو بن ميمون قَالَ: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار فكان - صلى الله عليه وسلم - يمر به، ويمر بيده عَلَى رأسه فيقول: "يا نارُ كوني بردًا وسلامًا عَلَى عمار كما كنت عَلَى إبراهيم، تقتُلك الفئةُ الباغية" (¬3).
وعن ابن ابنه قَالَ: أخذ المشركون عمارًا فلم يتركوه حتَّى نال من رسول الله وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما وراءك؟ " قَالَ: شر يا رسول الله، والله ما تُركِتُ حتَّى نِلْتُ منك، وذَكَرْتُ آلهتهم بخير، فقال: "فكيف تجد قلبك؟ " قَالَ: مطمئنًا بالإيمان، قَالَ: "فإن عادوا فعد" (¬4).
¬__________
(¬1) انظر: "طبقات ابن سعد" 3/ 248 عن عمرو بن ميمون، وفيه: وفيهم نزلت هذِه الآية: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}. [النحل: 41] وهو خطأ، وصواب الآية: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110].
وقد عزا السيوطي في "الدر" 4/ 249 آثار عمار وصهيب وبلال .. لابن سعد وذكر الآية كما عند المصنف.
(¬2) انظر: "الحجة للقراءات السبعة" 5/ 79، "حجة القراءات" ص 395، "الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها" 2/ 41.
(¬3) رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 248، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 43/ 372. والجزء الأخير من الحديث رواه مسلم من حديث أم سلمة (2916).
(¬4) رواه ابن سعد 3/ 249، والطبري في "التفسير" 7/ 651 (21946) والحاكم 2/ 357. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 140، والبيهقي 8/ 208 - 209، عند الحاكم والبيهقي: عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه ...
قال الألباني في "فقه السيرة" ص 122: في ثبوت هذا السياق نظر، وعلته الإرسال.