كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 2)

وأيضًا: الوقوع دليل الجواز، وقد نسخ صوم عاشوراء (١) برمضان (٢)، وقد نسخ التخيير بين الصوم والفدية في قضاء صوم رمضان بإيجاب، ولا شك أنه أثقل من التخيير (٣).
قالوا: نقلهم من الأخف إلى الأثقل بعيد عن المصلحة، فلا يصدر عن الحكيم.
قلنا: أولًا: منقوض بأصل التكاليف، وثانيًا: ربما علم الله المصلحة في ذلك، مع خفائها علينا، وثالثًا: أن رعاية المصلحة أصل قد أبطلناه.
---------------
(١) لما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "من شاء صامه، ومن شاء تركه".
راجع: صحيح البخاري: ٣/ ٥٤ - ٥٥، وصحيح مسلم: ٣/ ١٤٦ - ١٤٧، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ: ص/ ١٣٤، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: ص/ ١٢٣.
(٢) أجمع المسلمون على أن صوم عاشوراء بعد فرض رمضان ليس واجبًا، بل سنة، واختلفوا في حكمه قبل فرض صوم رمضان: فذهب الأحناف إلى وجوبه، ثم نسخ بصيام رمضان، وهي رواية عن الشافعي، وأحمد.
وذهب الشافعية، والحنابلة، وغيرهم، وهو صريح قول الشافعي إلى أنه لم يكن واجبًا قط.
راجع: مرقاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح: ٢/ ٥٥١، والمجموع للنووي: ٦/ ٣٨٣، والمغني لابن قدامة: ٣/ ١٧٤ - ١٧٥.
(٣) لما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا في رمضان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام، ومن شاء أفطر، فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] ". وانظر صحيح مسلم: ٣/ ١٥٤.

الصفحة 489