كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 2)
خلافًا للإمام أبي حنيفة، حيث لم يشترط الإمكان حتى لو قال - لعبد معروف النسب، وهو أكبر سنًا منه -: هذا ابني، يعتق عنده، وعند صاحبيه - وفاقًا للجمهور - لا يعتق، ويكون هذا لغوًا من الكلام (١).
دليل الجمهور: أن الأصالة، والخلفية إنما يعتبران في الحكم الذي هو المقصود من الكلام.
وله: أن الحقيقة، والمجاز من أوصاف اللفظ، فالأصالة، والخلفية في التكلم الذي هو إخراج اللفظ من العدم إلى الوجود لا في الحكم.
والحق: أن إمكان المعنى الحقيقي على ما ذهب إليه الجمهور مشكل: لأن كثيرًا من المجازات الواقعة في كلام العرب، بل في كلام الله تعالى مما لا إمكان لمعانيها الحقيقية مثل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥] (٢)،
---------------
(١) راجع: شرح فتح القدير: ٤/ ٤٣٧، ٤٣٩، والمغني لابن قدامة: ٩/ ٣٣٢، والتلويح على التوضيح: ١/ ٨٢، وفواتح الرحموت: ١/ ٢١٣، والمحلى على جمع الجوامع: ١/ ٣١١.
(٢) قلت: وما قاله الشارح - رحمه الله - بناء على مذهب الأشاعرة في تأويلهم لاستوى بمعنى استولى، أو يجعلون على بمعنى إلي، واستوى بمعنى قصد، مع أن استوى في اللغة إذا عُدِّي بعلى لا يمكن أن يفهم منه إلَّا العلو، والارتفاع، ولهذا لم تخرج تفسيرات السلف لهذا اللفظ - لغة - عن أربع عبارات: استقر، وعلا، وارتفع، وصعد، وقد جمعها العلامة ابن القيم في نونيته. والله سبحانه قد أخبرنا في سبع مواضع من كتابه بأنه استوى على عرشه، وذلك قطعي الثبوت، وصريح في بابه، ولا يحتمل التأويل، فيجب أن نؤمن بأنه مستو على عرشه، بائن من خلقه بالكيفية التي يعلمها هو جل شأنه، كما قال الإمام مالك، وغيره: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". =