كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 2)
مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرحْمَتِهِ .. فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بالْكَوْكَبِ، وأَمَّا مَنْ قَال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا .. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ"
ــ
مقدر، تقديره إذا عرفتم أن عبادي فريقان وأردتم بيان كل فريق فأقول لكم: أما من قال (مطرنا) أي رزقنا المطر (بفضل الله) سبحانه وتعالى أي بتفضله وتكرمه علينا (ورحمته) وإحسانه لنا (فذلك) أي قائل مُطرنا بفضل الله ورحمته (مؤمن بي) أي مصدق بأن المطر خلقي لا خلق الكوكب، أرحم به من أشاء من عبادي وأتفضل عليهم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)} سورة الشورى: آية (٢٨) (كافر بالكوكب) أي جاحد بتأثير الكوكب وإنشائه للمطر.
(وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا) بنجم كذا وكذا كالثريا والدبران أي بطلوعه أو بغروبه وقت الفجر (فذلك) أي قائل مُطرنا بنوء كذا (كافر بي) أي جاحد بفضلي وإحساني ورحمتي (مؤمن بالكوكب) أي مصدق بتأثير الكوكب وإنشائه المطر، ومعتقد له، قال القرطبي: ظاهره أنه الكفر الحقيقي، لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيُحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها لا من فعل الله تعالى كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب، فأما من اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه ثم تكلم بذلك القول "أعني مُطرنا بنوء كذا" فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين: أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من ذلك الإطلاق، وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم فقال: "خالفوا المشركين" رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، وقال: "خالفوا اليهود" رواه أبو داود من حديث شداد بن أوس، ونُهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال، ولأن الله تعالى قد منعنا من التشبه بهم في النطق بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤] لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم يقصدون ترعينه- حفظنا الله من إطلاقها وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم - وإن قصدنا بها الخير سدًا للذريعة ومنعًا من التشبه بهم فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يُريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة" أي كثيرة الماء رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به الواقدي وفيه مقال، وفي هامش إكمال المعلم انفرد
الصفحة 545
598