كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 2)

وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ الله أَكْثَرَ أَهْلِ النَّار؟ ! قَال: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفرْنَ الْعَشِيرَ،
ــ
(كالظريف) أي كقولك ظرف الرجل فهو ظريف، إذا كان ذكيًا بارعًا إلى آخر ما هنالك، قال ابن دريد: الجزالة العقل، وفي كتاب العيني: امرأة جزلة أي ذات عجيزة عظيمة، والجزل العظيم من كل شيء، ومنه عطاء جزل، قال الأبي: ومن جزالتها أنها لم تسأل إلا عن السبب لتحترز منه، والمعنى أي فلما سمع النساء ذلك علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن، فبادرت هذه المرأة لجزالتها، وشدة حرصها على ما يخلص من هذا الأمر العظيم، فسألت عن ذلك فقالت (وما لنا يا رسول الله) مبتدأ وخبر (أكثر أهل النار) بالنصب حال من ضمير المتكلمين، أو خبر لكان المحذوفة، أي وأي شيء ثبت لنا حالة كوننا أكثر أهل النار، أو أي ذنب حصل لنا كنا أكثر أهل النار، أو في قولك لنا رأيتكن أكثر أهل النار، إن قلنا منصوب على الحكاية كما في النووي.
فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث (قال) لأنكن (تكثرن اللعن) قال القاضي: اللعن لغة: الطرد وشرعًا: الطرد عن رحمة الله تعالى، ففيه أن اللعن وكفران العشير من الذنوب اهـ. أي يدور اللعن علي ألسنتهن كثيرًا لمن لا يجوز لعنه، وكان ذلك عادة جارية في نساء العرب، كما قد غلبت بعد ذلك على النساء والرجال، حتى إنهم إذا استحسنوا شيئًا ربما لعنوه فيقولون ما أشعره لعنه الله، وقد حكى بعضهم أن قصيدة ابن دريد، كانت تُسمى عندهم الملعونة، لأنهم كانوا إذا سمعوها قالوا: ما أشعره لعنه الله.
(وتكفرن) أي تجحدن نعمة (العشير) والزوج وإحسانه إليكن، قال القاضي: العشير: الزوج والزوجة، لأنه من المعاشرة، وكل منهما معاشر الآخر، والعشير أيضًا الخليط والصاحب مطلقًا، والمراد به هنا الزوج لأنه شرحه بما يرجع إلى معنى الزوج، وأيضًا فاستحقاقهن النار يدل على أنه الزوج لعظم حقه عليهن دون غيره، قال النواوي: كفران العشير كبيرة للعقوبة عليه بالنار، وأما اللعن فمن المعاصي الصغائر، لا أنه كبيرة، لقوله: وتكثرن اللعن، والصغيرة إذا كثرت صارت كبيرة، واتفقوا على أنه لا يجوز لعن المعين، وإن كان كافرًا، لأن اللعن إبعادٌ عن رحمة الله تعالى، ولا يبعد عنها من لا تُعرف خاتمته، إلا أن يعلم بنص أنه مات أو يموت كافرًا كأبي لهب وإبليس، وأما اللعن بصفه كالحالقة وآكل الربا والظالم فجائز لوروده اهـ.
والمراد بالعشير الزوج، وبالكفر كفران الحقوق، ويدل على صحة الأمرين حديث

الصفحة 571