كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به في الصحة والحضر، وفُرِّق بأنهما كانت نيتهما الدوام لولا العذر، والحائض لم تكن نيتها الدوام، وإنما نظير الحائض من كان يتنفل مرة ويترك أخرى، فهذا لا يكتب له لأنه لم تكن نيته الدوام اهـ. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر، شارك المؤلف في روايته أحمد (٢/ ٦٦) وابن ماجه (٤٠٠٣) والله أعلم.

فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث
قال النووي: ويستفاد من هذا الحديث جُمل من العلوم، منها الحث على الصدقة وأفعال البر، والإكثار من الاستغفار وسائر الطاعات، وفيه أن الحسنات يُذهبن السيئات، كما ذكره تعالى في الكتاب العزيز، وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر، فإن التوعيد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة، وفيه أن اللعن أيضًا من المعاصي الشديدة القبح، وليس فيه أنه كبيرة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال تكثرن اللعن، والصغيرة إذا اكثرت صارت كبيرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن المسلم كقتله" واتفق العلماء على تحريم اللعن، فإنه في اللغة: الإبعاد والطرد، وفي الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره، معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحدٍ بعينه، مسلمًا كان أو كافرًا، أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، كأبي لهب، أو يموت عليه كإبليس، وأما اللعن بالوصف فليس بحرام، كلعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين، والظالمين، والفاسقين، والكافرين، ولعن من غير منار الدين، ومن تولى غير مواليه، ومن اتسب إلى غير أبيه، ومن أحدث في الإسلام حدثًا، أو آوى محدثًا، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان والله أعلم.
وفيه أيضًا إطلاق الكفر على غير الكفر بالله تعالى، ككفر العشير، والإحسان، والنعمة، والحق، ويؤخذ من ذلك صحة تأويل الكفر في الأحاديث على ما أولناها، وفيه بيان زيادة الإيمان ونقصانه، وفيه وعظ الإمام وأصحاب الولايات، وكبراء الناس رعاياهم، وتحذيرهم المخالفات، وتحريضهم على الطاعات، وفيه مراجعة المتعلم العالم، والتابع المتبوع فيما قاله، إذا لم يظهر له معناه، كمراجعة هذه الجزلة رضي الله

الصفحة 574