كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)
وَنِصَابَ الدَّرَاهِمِ مِائَتَانِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَدْفَعُ قِيمَةَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، أَوْ دُونَ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ وَفَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا دَرَاهِمَ. وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: «وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ» وَهَذَا نَصٌّ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَمْ يُلْتَفَتُ إلَى مَا سِوَاهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى هَذَا الْجُبْرَانِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي الْخَبَرِ بِعَدَمِ الْأَصْلِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ فِي الْجُبْرَانِ شَاةً، وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُمْنَعُ هَذَا، كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مَقَامُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا اخْتَارَ إخْرَاجَهَا وَعَشَرَةً جَازَ. وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، فَتَجْوِيزُهُ يُخَالِفُ الْخَبَرَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[فَصْلُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَعَدِمَهَا وَعَدِمَ الْحِقَّةَ]
(١٧٠٣) فَصْلٌ: فَإِنْ عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا، كَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَعَدِمَهَا وَعَدِمَ الْحِقَّةَ، أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِقَّةٌ فَعَدِمَهَا وَعَدِمَ الْجَذَعَةَ وَابْنَةَ اللَّبُونِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى السِّنِّ الثَّالِثِ مَعَ الْجُبْرَانِ، فَيُخْرِجَ ابْنَةَ اللَّبُونِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَيُخْرِجَ مَعَهَا أَرْبَعَ شِيَاهٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَيُخْرِجَ ابْنَةَ مَخَاضٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُخْرِجَ مَعَهَا مِثْلَ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَنْتَقِلُ إلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ، فَأَمَّا إنَّ انْتَقَلَ مِنْ حِقَّةٍ إلَى بِنْتِ مَخَاضٍ، أَوْ مِنْ جَذَعَةٍ إلَى بِنْتِ لَبُونٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْعُدُولِ إلَى سِنٍّ وَاحِدَةٍ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا، كَمَا اقْتَصَرْنَا فِي أَخْذِ الشِّيَاهِ عَنْ الْإِبِلِ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ.
هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ جَوَّزَ الِانْتِقَالَ إلَى السِّنِّ الَّذِي تَلِيه مَعَ الْجُبْرَانِ، وَجَوَّزَ الْعُدُولَ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا عَدِمَ مَعَ الْجُبْرَانِ إذَا كَانَ هُوَ الْفَرْضَ، وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَجْزَأَ، فَإِنْ عَدِمَ جَازَ الْعُدُولُ إلَى مَا يَلِيهِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَالنَّصُّ إذَا عَقَلَهُ عَدَّى وَعَمِلَ بِمَعْنَاهُ، وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْجَذَعَةِ إلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ سِتِّ شِيَاهٍ، أَوْ سِتِّينَ دِرْهَمًا، وَيَعْدِلُ عَنْ ابْنَةِ الْمَخَاضِ إلَى الْجَذَعَةِ،
الصفحة 439
532