كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)

الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. وَلِأَنَّهَا عَدَلَتْ بِالْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ نُصُبَ الزَّكَاةِ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَاهُ نَصٌّ وَلَا تَوْقِيفٌ، فَلَا يَثْبُتُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ، فَإِنَّ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ تَعْدِلُ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الْبَقَرِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِي الْعَوَامِلِ وَالْمَعْلُوفَةِ صَدَقَةٌ، كَقَوْلِهِ فِي الْإِبِلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الرَّاوِي: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ، قَالَ: " وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ شَيْءٌ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» . وَهَذَا مُقَيَّدٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَجَابِرٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا صَدَقَةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ. وَلِأَنَّ صِفَةَ النَّمَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي السَّائِمَةِ.

[مَسْأَلَةُ إذَا مَلَكَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ فَأَسَامَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ]
(١٧٠٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا مَلَكَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، فَأَسَامَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، إلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا مُسِنَّةٌ، إلَى تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ، فَفِيهَا تَبِيعَانِ، إلَى تِسْعٍ وَسِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ، فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، فَإِذَا زَادَتْ، فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) التَّبِيعُ: الَّذِي لَهُ سَنَةٌ، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ. وَالْمُسِنَّةُ: الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ. وَلَا فَرْضَ فِي الْبَقَرِ غَيْرُهُمَا، وَبِمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِسَابِهِ، فِي كُلِّ بَقَرَةٍ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ. فِرَارًا مِنْ جَعْلِ الْوَقْصِ تِسْعَةَ عَشَرَ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَوْقَاصِهَا، فَإِنَّ جَمِيعَ أَوْقَاصِهَا عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ.
وَلَنَا، حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ؛ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ، وَلِأَنَّ الْبَقَرَ أَحَدُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَلَا يَجُوزُ فِي زَكَاتِهَا كَسْرٌ كَسَائِرِ الْأَنْوَاعِ، وَلَا يُنْقَلُ مِنْ فَرْضٍ فِيهَا إلَى فَرْضٍ بِغَيْرِ وَقْصٍ، كَسَائِرِ الْفُرُوضِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ لَا يَتِمُّ بِهَا أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ، كَمَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، وَمَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَمُخَالَفَةُ قَوْلِهِمْ لِلْأُصُولِ أَشَدُّ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَعَلَى أَنَّ أَوْقَاصَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ، فَجَازَ الِاخْتِلَافُ هَاهُنَا.

الصفحة 443