كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)

مِنْ الصِّغَارِ، ثُمَّ تَمُوتُ الْأُمَّهَاتُ، وَيَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا يُؤْخَذُ أَيْضًا إلَّا كَبِيرَةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ» أَوْ الثَّنِيَّةِ. وَلِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ فِي الْمَالِ لَا يَزِيدُ بِهِ الْوَاجِبُ، كَذَلِكَ نُقْصَانُهُ لَا يَنْقُصُ بِهِ. وَلَنَا، قَوْلُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ الْعَنَاقَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَيْنِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِيهِ كِبَارٌ. وَأَمَّا زِيَادَةُ السِّنِّ فَلَيْسَ تَمْنَعُ الرِّفْقَ بِالْمَالِكِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، كَمَا أَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ عَفْوٌ، وَمَا فَوْقَهُ عَفْوٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفِصْلَانِ وَالْعُجُولِ، كَالْحُكْمِ فِي السِّخَالِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْغَنَمِ، وَيَكُونُ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ مَكَانَ زِيَادَةِ السِّنِّ، كَمَا قُلْنَا فِي إخْرَاجِ الذَّكَرِ مِنْ الذُّكُورِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إخْرَاجُ الْفِصْلَانِ وَالْعُجُولِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفُرُوضِ، فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى إخْرَاجِ ابْنَةِ الْمَخَاضِ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَإِحْدَى وَسِتِّينَ، وَيُخْرِجُ ابْنَتَيْ اللَّبُونِ عَنْ سِتٍّ وَسَبْعِينَ، وَإِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَيُفْضِي إلَى الِانْتِقَالِ مِنْ ابْنَةِ اللَّبُونِ الْوَاحِدَةِ مِنْ إحْدَى وَسِتِّينَ، إلَى اثْنَتَيْنِ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ، مَعَ تَقَارُبِ الْوَقْصِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ أَرْبَعُونَ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي السِّخَالِ، فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْفِصْلَانِ وَالْعُجُولِ عَلَيْهِمَا؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ.

[فَصْلُ مِلْك نَصَّابًا مِنْ الصِّغَار فِي صَدَقَة الشياه]
(١٧٢٠) فَصْلٌ: وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ الصِّغَارِ، انْعَقَدَ عَلَيْهِ حَوْلُ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي السِّخَالِ زَكَاةٌ.» وَقَالَ: «لَا تَأْخُذْ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ.» وَلِأَنَّ السِّنَّ مَعْنًى يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، فَكَانَ لِنُقْصَانِهِ تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ، كَالْعَدَدِ.
وَلَنَا، أَنَّ السِّخَالَ تُعَدُّ مَعَ غَيْرِهَا، فَتُعَدُّ مُنْفَرِدَةً، كَالْأُمَّهَاتِ، وَالْخَبَرُ يَرْوِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهَا قَبْلَ حَوْلِ الْحَوْلِ، وَالْعَدَدُ تَزِيدُ الزَّكَاةُ بِزِيَادَتِهِ، بِخِلَافِ السِّنِّ، فَإِذَا قُلْنَا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَإِذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ إلَّا وَاحِدَةً، لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ، وَإِنْ مَاتَتْ كُلُّهَا، انْقَطَعَ الْحَوْلُ.

[مَسْأَلَة مَا يُجْزِئُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ]
(١٧٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ الثَّنِيُّ، وَمِنْ الضَّأْنِ الْجَذَعُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ، وَهُوَ مَا لَهُ سَنَةٌ. فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمَالِكُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا فِي السِّنِّ جَازَ، فَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ فِي النِّصَابِ أَخَذَهُ،

الصفحة 452