كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)
وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْخُلْطَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْمَبِيعِ، وَيَصِيرُ مُنْفَرِدًا.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ فِيهِ. فَتَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْحَوْلِ. وَسَنُبَيِّنُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ لَا يَنْقَطِعُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَا تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْمُشْتَرَى بِبِنَائِهِ عَلَى حَوْلِ الْمَبِيعِ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ فِي الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
فَأَمَّا إنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، فَخَلَطَاهُ، ثُمَّ تَبَايَعَاهُ، فَعَلَيْهِمَا فِي الْحَوْلِ زَكَاةُ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ بِبِنَائِهِ عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ لِرَجِلٍ نِصَابٌ مُنْفَرِدٌ، فَبَاعَهُ بِنِصَابٍ مُخْتَلِطٍ، زَكَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الثَّانِي تَجِبُ بِبِنَائِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَهُمَا كَالْمَالِ الْوَاحِدِ الَّذِي حَصَلَ الِانْفِرَادُ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ مُخْتَلِطَةٌ مَعَ مَالٍ آخَرَ، فَتَبَايَعَاهَا، وَبَعَثَاهَا مُخْتَلِطَةً، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الْخُلْطَةِ.
وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِالْأَرْبَعِينَ الْمُخْتَلِطَةِ أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً، وَخَلَطَهَا فِي الْحَالِ، احْتَمَلَ أَنْ يُزَكِّيَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ مُخْتَلِطَةٍ، وَزَمَنُ الِانْفِرَادِ يَسِيرٌ، فَعُفِيَ عَنْهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُزَكِّيَ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، لِوُجُودِ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ.
[فَصْلُ لِرَجِلٍ أَرْبَعُونَ شَاة وَمَضَى عَلَيْهَا بَعْض الْحَوْل فَبَاعَ بَعْضهَا مُشَاعًا فِي بَعْض الْحَوْل]
(١٧٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِرَجِلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَمَضَى عَلَيْهَا بَعْضُ الْحَوْلِ، فَبَاعَ بَعْضَهَا مَشَاعًا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَسْتَأْنِفَانِ حَوْلًا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْمُشْتَرَى قَدْ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ أَصْلًا، فَلَزِمَ انْقِطَاعُ الْحَوْلِ فِي الْآخَرِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخُلْطَةِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ، فَلَا يَمْنَعُ اسْتَدَامَتْهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خَالَطَ غَيْرَهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، فَإِذَا خَالَطَ فِي بَعْضِهِ نَفْسَهُ، وَفِي بَعْضِهِ غَيْرَهُ، كَانَ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ حَوْلُ الْمَبِيعَةِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْعِشْرُونَ لَمْ تَزَلْ مُخَالِطَةً لِمَالٍ جَارٍ فِي الزَّكَاةِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا عَلَّمَ عَلَى بَعْضِهَا وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا. فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَ بَعْضَهَا وَبَاعَهُ، فَخَلَطَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ بِغَنَمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ؛ لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ فِي الْبَعْضِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا مُخْتَلِطَةً؛ لِأَنَّ هَذَا زَمَنٌ يَسِيرٌ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعُونَ لِرَجُلَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا، فَعَلَى هَذَا إذَا تَمَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ، ثُمَّ إذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي نَظَرْنَا فِي الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مُخَالِطًا لَهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي صَارَ لَهُ، فَلَا يَنْقُصُ النِّصَابُ إذًا، وَيُخْرِجُ الثَّانِي نِصْفَ شَاةٍ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ. وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ شَاةٍ.
وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ
الصفحة 458
532