كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)

نِصْفُ شَاةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ مَلَكُوا جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ، كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْجَانِي، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ نَقَصَ النِّصَابَ. وَهَذَا الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ فَائِدَةَ قَوْلِنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا، لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ نِصَابٌ خُلْطَةٌ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا خَلِيطَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، فَهِيَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصُّورَةِ، وَمِثْلُهَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ خَلِيطَ نَفْسِهِ، ثُمَّ صَارَ خَلِيطَ أَجْنَبِيٍّ، وَهَا هُنَا كَانَ خَلِيطَ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ صَارَ خَلِيطَ نَفْسِهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ رَجُلَانِ مُتَوَارِثَانِ، لَهُمَا نِصَابُ خُلْطَةٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، فَوَرِثَهُ صَاحِبُهُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ، مِنْ حِينِ مِلْكِهِ لَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمُفْرَدِهِ يَبْلُغُ نِصَابًا. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَانَ لَهُ خَاصَّةً.

[فَصْل اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَرْعَى لَهُ بِشَاةِ مُعِينَة مِنْ النِّصَاب فَحَال الْحَوْل وَلَمْ يُفَرِّدهَا]
(١٧٣٠) فَصْلٌ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَرْعَى لَهُ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ النِّصَابِ، فَحَالَ الْحَوْلُ، وَلَمْ يُفْرِدْهَا، فَهُمَا خَلِيطَانِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ. وَإِنْ أَفْرَدَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، لِنُقْصَانِ النِّصَابِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، صَحَّ أَيْضًا، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَقْتَضِيه غَيْرُ النِّصَابِ، انْبَنَى عَلَى الدَّيْنِ، هَلْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ؟ وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَة السَّاعِيَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ]
(١٧٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَتَرَاجَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْخُلَطَاءَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْوَاحِدِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ، سَوَاءٌ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ عَيْنًا وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ لَا يَجِدَ فَرْضَهُمَا جَمِيعًا إلَّا فِي أَحَدِ الْمَالَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا كِبَارًا، وَمَالُ خَلِيطِهِ صِغَارًا أَوْ مِرَاضًا، فَإِنَّهُ تَجِبُ صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ، أَوْ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَجِدَ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ فِيهِ.
قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا يَجِيءُ الْمُصَدِّقُ فَيَجِدُ الْمَاشِيَةَ، فَيُصَدِّقُهَا، لَيْسَ يَجِيءُ فَيَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ لَك؟ وَإِنَّمَا يُصَدِّقُ مَا يَجِدُهُ، وَالْخَلِيطُ قَدْ يَنْفَعُ وَقَدْ يَضُرُّ. قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَا رَأَيْت مِسْكِينًا كَانَ لَهُ فِي غَنَمٍ شَاتَانِ، فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ.»

الصفحة 459