كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)

الدَّوَابِّ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا، كَالْوُحُوشِ.
وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ غَوْرَكُ السَّعْدِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا عُمَرُ فَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا تَبَرَّعُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ أَخْذَهُ، وَعَوَّضَهُمْ عَنْهُ بِرِزْقِ عَبِيدِهِمْ، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَارِثَةَ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا مَالًا وَخَيْلًا وَرَقِيقًا، نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيهَا زَكَاةٌ وَطَهُورٌ. قَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي، فَأَفْعَلُهُ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِمْ عَلِيٌّ فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ إنْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا مِنْ بَعْدِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: فَكَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَرْزُقُ عَبِيدَهُمْ،.
فَصَارَ حَدِيثُ عُمَرَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، قَوْلُهُ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ. يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَا فِعْلَهُ. الثَّانِي، أَنَّ عُمَرَ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَاجِبِ. الثَّالِثُ، قَوْلُ عَلِيٍّ: هُوَ حَسَنٌ إنْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةٌ يُؤْخَذُونَ بِهَا مِنْ بَعْدِكَ.
فَسَمَّى جِزْيَةً إنْ أُخِذُوا بِهَا، وَجَعَلَ حُسْنَهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ أَخْذِهِمْ بِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَخْذَهُمْ بِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. الرَّابِعُ، اسْتِشَارَةُ عُمَرَ أَصْحَابَهُ فِي أَخْذِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا احْتَاجَ إلَى الِاسْتِشَارَةِ. الْخَامِسُ، أَنَّهُ لَمْ يُشِرْ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ أَحَدٌ سِوَى عَلِيٍّ بِهَذَا الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَشَارُوا بِهِ. السَّادِسُ، أَنَّ عُمَرَ عَوَّضَهُمْ عَنْهُ رِزْقَ عَبِيدِهِمْ، وَالزَّكَاةُ لَا يُؤْخَذُ عَنْهَا عِوَضٌ
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى النَّعَمِ؛ لِأَنَّهَا يَكْمُلُ نَمَاؤُهَا، وَيُنْتَفَعُ بِدَرِّهَا وَلَحْمِهَا، وَيُضَحَّى بِجِنْسِهَا، وَتَكُونُ هَدْيًا، وَفِدْيَةً عَنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِهَا، وَيُعْتَبَرُ كَمَالُ نِصَابِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا، وَالْخَيْلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

[مَسْأَلَة الصَّدَقَة لَا تَجِب إلَّا عَلَى أَحْرَار الْمُسْلِمِينَ]
(١٧٣٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " إلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ ". وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمِلْكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَلَى الْعَبْدِ زَكَاةُ مَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاةٌ، كَالْمُكَاتَبِ.
فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَمَتَى صَارَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ، اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلًا ثُمَّ زَكَّاهُ، فَأَمَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا خَالِيًا عَنْ دَيْنٍ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، أَوْ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا.

[مَسْأَلَة وُجُوب الزَّكَاة فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا)

الصفحة 464