كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، صَارَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَا نِصَابًا، أَوْ يَبْلُغُ بِضَمِّهِ إلَى مَا فِي يَدِهِ نِصَابًا، اسْتَأْنَفَ لَهُ حَوْلًا مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَزَكَّاهُ، كَالْمُسْتَفَادِ سَوَاءً. وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ نُجُومَ كِتَابَتِهِ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ نِصَابٌ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا كَامِلَ الْمِلْكِ، فَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ عِتْقِهِ، وَيُزَكِّيه إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل]
(١٧٤٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ، فِي " السُّنَنِ " بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» .
وَهَذَا اللَّفْظُ غَيْرُ مُبْقًى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْأَمْوَالَ الزَّكَاتِيَّةَ خَمْسَةٌ: السَّائِمَةُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْأَثْمَانُ؛ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَقِيَمُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْحَوْلُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، سِوَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمُسْتَفَادِ. وَالرَّابِعُ: مَا يُكَالُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَالْخَامِسُ: الْمَعْدِنُ. وَهَذَانِ لَا يُعْتَبَرُ لَهُمَا حَوْلٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ، أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ مَرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ، فَالْمَاشِيَةُ مُرْصَدَةٌ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ مُرْصَدَةٌ لِلرِّبْحِ، وَكَذَا الْأَثْمَانُ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ؛ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ النَّمَاءِ، لِيَكُونَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَمْ نَعْتَبِرْ حَقِيقَةَ النَّمَاءِ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِ، وَعَدَمِ ضَبْطِهِ، وَلِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَتْ مَظِنَّتُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى حَقِيقَتِهِ، كَالْحُكْمِ مَعَ الْأَسْبَابِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ضَابِطٍ، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى تَعَاقُبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ مَرَّاتٍ، فَيَنْفَدَ مَالُ الْمَالِكِ.
أَمَّا الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ، فَهِيَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا، تَتَكَامَلُ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهَا، فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا حِينَئِذٍ، ثُمَّ تَعُودُ فِي النَّقْصِ لَا فِي النَّمَاءِ؛ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ، لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مُسْتَفَادٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ، بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلنَّمَاءِ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَثْمَانَ قِيَمُ الْأَمْوَالِ، وَرَأْسُ مَالِ التِّجَارَاتِ، وَبِهَذَا تَحْصُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِذَلِكَ، فَكَانَتْ بِأَصْلِهَا وَخِلْقَتِهَا، كَمَالِ التِّجَارَةِ الْمُعَدِّ لَهَا.
(١٧٤٤) فَصْلٌ: فَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا مِمَّا يُعْتَبَرُ لَهُ الْحَوْلُ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، وَكَانَ نِصَابًا، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ جِنْسِهِ

الصفحة 467